سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
القناة الثانية «تقبر» البرامج الثقافية وتعطي الضوء الأخضر للبرامج الترفيهية والمسلسلات المدبلجة بعد أن كشفت الشبكة الجديدة لقناة عين السبع خلوها من أي برنامج ثقافي
قبل أزيد من سنة، أعلن محمد العمراني، في برنامجه الشهري «الوسيط»، أن القناة الثانية وضعت برنامجا ثقافيا جديدا، مشيرا إلى أن البرنامج الجديد سيشمل مختلف الحقول الثقافية والمعرفية. وخلال تلك الحلقة نفسها، استمعت إدارة القناة إلى انتقادات المتتبعين والجمهور، حيث تم التأكيد على أن الثقافة «غائبة» غيابا كليا في برامج القناة الثانية وأن هذه الأخيرة لا تواكب الحراك الثقافي في المغرب... مر من الوقت أكثر من سنة ولم نسمع عن إدراج البرنامج «الموعود» الذي اقتُرح له اسم «ثقافات» في الشبكة البرامجية لقناة «عين السبع»، ويبدو أن إدارة القناة اختارت تجاهل هذا المشروع، بسبب التصريحات التي تضمنها برنامج «الوسيط»، ومن بينها تصريحات صحافي من المؤسسة نفسها، شدّد فيها على ضرورة إعطاء الشأن الثقافي المكانة اللائقة به في شبكة برامج القناة، حسب مقتضيات دفتر التحملات الذي يربط المؤسسة بالدولة، والذي يحدد مفهوم الخدمة العمومية المنوطة بالقناة والأدوار التي ينبغي عليها أن تقوم بها إزاء المشاهدين. وفي تصريح ل«المساء»، لم يُخف الطاهر الطويل، أحد معدي برنامج «ثقافات»، أن «الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع «خصص إحدى جلساته في البرلمان لموضوع الحضور الثقافي في الإعلام العمومي المغربي، حيث تم التساؤل عن أسباب تغييب البرامج الثقافية عن شبكة برامج القناة الثانية». ونبّه الطويل، إلى الآثار السلبية التي يمكن أن يخلّفها مثل هذا التغييب على دينامية المشهد الثقافي الوطني وعلى نقاشاته الكبرى، على اعتبار أن الترويج الإعلامي للفعل والنقاش الثقافيين من شأنه وضع مقاربات جديدة لبعض المفاهيم وتفريخ أفكار مغايرة ستغني في النهاية التجربة الثقافية والإبداعية، الوطنية والعربية والعالمية. وحرص الصحافي المذكور على تفنيد المقولة التي تدّعي أن البرامج الثقافية لا تحظى بأي نسبة مشاهدة، بالتأكيد على أن برنامج «ديوان» -على سبيل المثال لا الحصر كان قد حقق خلال عهد الإدارة السابقة نسبة مشاهدة مهمة ناهزت في أحايين كثيرة 12.50 في المائة، رغم بثه في ساعات متأخرة من الليل. واعتبر الطويل أن نجاح البرامج الثقافية في أي قناة من القنوات رهين بمدى تمكُّن الطاقم المشرف عليها من المادة الثقافية وطريقة تقديمها، وكذا بحسن ترويج القناة الحصة الثقافية، قبل موعد بثها. من جهته، قال هشام لعبودي الذي اشتهر ببرنامجه «ديوان» إن من بين أهداف برنامج «ثقافات» المساهمةُ في «إغناء ثقافة الحوار والإصغاء إلى الآخر والدفاع عن صورة المغرب الثقافي، الذي يلامس آفاق الحداثة ويتوغل في أغوارها، دون أن ينسلخ عن هويته وشخصيته الخلاقة الضاربة في عمق التاريخ». وتابع لعبودي قائلا: «إن الإعلام الثقافي المغربي، ولاسيما السمعي -البصري، مطالَب، الآن أكثر من أي وقت مضى، بالمساهمة في الدفاع عن قضايا الوطن، مؤكدا على وجود تلازم بين ما هو سياسي وما هو ثقافي في كل التحديات المصيرية، ومن ضمنها قضية المغرب الكبرى: الوحدة الترابية». وقال لعبودي أيضا: «إن إعلامنا، متى قام بهذه الأدوار، فإنه يجسد مفهوم «الإعلام القائد»، الذي يقوم بمهمة توجيه الرأي العام الوطني والدولي والتأثير الإيجابي فيه، بما يخدم قضايانا الوطنية الكبرى». وعلمت «المساء» أن لعبودي والطويل (بعد عدم توصلهما بأي جواب من إدارة القناة بخصوص برنامج «ثقافات») اشتغلا أيضا على برنامج ثقافي آخر حمل عنوان «على الخشبة»، خصصاه لمختلف فنون العرض، وكان مصير الحلقة النموذجية من هذا المشروع الجديد الإهمال والتهميش... كما سبق لهما أن قدما للإدارة العامة السابقة مشروعا ثقافيا يقوم على فكرة وجود منشط رئيسي ومنشطين آخرين يهيئون فقرات محددة (التشكيل، الكتاب، المسرح، الموسيقى، السينما... إلخ). ولكن المشروع، هو الآخر، بقي حبيس الرفوف... ومع ذلك، أصر الصحافيان المذكوران على تأكيد حضورهما الإعلامي في القناة الثانية من خلال إنجاز «يوميات» لعدد من التظاهرات الثقافية والفكرية الهامة في المغرب، تركت انطباعات إيجابية لدى الوسط الثقافي المهني، رغم ندرة الإمكانيات اللوجستيكية التي تم تسخيرها لإنجاز تلك «اليوميات». واللافت للانتباه أنه في الوقت الذي تغضّ القناة الثانية الطرف عن المشاريع الثقافية التي يقترحها بعض «أبنائها» من «المسكونين» بالهمّ الثقافي الوطني، فإنها تُصرّ على «تبني» شبكة برامجية مزدحمة بما هو ترفيهي، من مسلسلات وأفلام مدبلجة وسهرات غنائية تُكرِّس نفس الوجوه ونفس الأسماء. ويبدو أن إدارة القناة تسعى، من خلال ذلك، إلى ركوب الموجة «الثقافية» الجديدة التي تنتصر لمقولة «التنميط هو السبيل الوحيد إلى التحديث»، حيث تحاول فرض نمط واحد من الإدراك الثقافي، يترك كُنهَ التجارب الثقافية الغربية ويتبنى فقط مظاهرها الشكلية، التي تحمل من الضرر أكثر مما تقدمه من النفع للأجيال الجديدة.