في الطريق المبحرة شرق ورزازات حتى مدينة زاكورة، يستقبل الحجر والشمس الوافدين، السياح والمسافرين. هنا وعلى امتداد أطراف مختلفة من جبال الأطلس الكبير، لا شيء غير الحر المفرط و»الشمس هنا هي العدو...، حتى يئن الشجر، ويبكي الحجر، ويستغيث الحديد»، كما يقول الروائي الطيب صالح. هنا الطبيعة طردت الجميع، وتربعت على الجبال الحجرية العارية، واستولى الجفاف على جل الأمكنة حتى أصبح عصيا علينا التصديق بأن مدنا شمالا تفيض أمطارا. سلطة هذا الخواء والقيظ يوشك معها الزائر أن يفقد الأمل في شيء من الارتواء أو حتى خيال الشجر. وحين تقترب النفس من استنفاد صبرها في انتظار ريح طراوة، تتبدى بكل بهاء واحات» أكدز «الفاتنة، تفتح نفسها بكرم النخيل المترامي على مرأى العين، بجمال يأخذ الأنفاس. من يمكنه أن يصدق هذا الافتتان الذي تفجر فجأة من قلب الصحراء؟ هذه الواحات التي تبحر بمحاذاة الجبال هي هبة وادي درعة للسكان الذين حاربوا لسنين قسوة الظروف، ولم يستسلموا للإهمال الذي طالهم لعقود من الزمن.. قاوموا سطوة الشمس والقحل دون تأفف.. ووقفوا رفقة أشجار النخيل أمام زحف الرمال. يبدو أن الناس هنا في»أكدز» سقطوا، في الماضي، من حسابات الوطن. وعوض بناء مرافق تعين على استقبال السياح المتهافتين عليها طيلة أيام السنة، زرعت سجون كئيبة. هنا، لا أحد يريد أن يفقد الأمل بعد أن انتشرت جمعيات التنمية التي بدأت تزرع في كل مكان فرصا لعيش أفضل، دور الطلبة، جمعيات لنساء يقاومن سطوة الحر بالتحاف السواد. بدأت مرافق، كانت بالأمس غائبة، تأخذ مكانها. لكن المؤسف أن المستوصف الذي شيد هنا مازال ينتظر طبيبا، بعد أن رفض بعض الأطباء الالتحاق بها، وكأن العيش في هذه الأماكن النائية ليس قدرا إلا لسكانها. حين تصل إلى زاكورة، تلعب بك الريح، تحاول الرمال أن تحجب عنك جمال المدينة التي بدأت ملامحها تتغير كليا، كل شيء تعاد هيكلته، الطرق وغيرها. الأوراش المفتوحة تحكي عن إعادة جذرية لتأهيل المدينة. وتسأل هل كانت زاكورة مسرحا لحرب طاحنة لتتم إعادة كل شيء فيها، بيد أن الإهمال هو الحرب الأكثر فتكا بالحجر والبشر. زاكورة الجميلة، التي أهملت طويلا من الجميع، تستعيد الآن بعضا من بهائها. زاكورة تتجدد وتتجمل للزائرين والسياح الذين جاؤوا من كل أنحاء العالم، ليتحدوا الطبيعة بصمت ويغسلوا أنفسهم وأرواحهم بنجود «تنفو». من يمر منها يتنفس عميقا ليغسل رئتيه من التلوث ويطرد من الأذنين هذا التشويش الذي علق من طول العيش في ضوضاء المدينة. هنا كذلك، لا كلمة تعلو فوق كلمة الشمس. الرجوع إلى واحات أكدز لا يقاوم تحت هذا الهجير، تتزاحم أشجار «الأكاسيا» لتنال شيئا من ماء وادي درعة. مع الغروب، تبدو الشمس منهكة، تفتر ببطء، ويحلو كل شيء الآن. هدايا وادي درعة للسكان لا تنتهي عند الواحات، بل تهب لهم جمال أشجار اللوز التي أزهرت قبل الأوان، والتي تتحدى قرب أشجار «التماريكس» قسوة الجفاف. الإنسان وكل الكائنات هنا، كل الأشجار، لا تتوقف عن مصارعة جبروت الطبيعة الذي تقوده الشمس الوقحة، لا يمكن أن تحتفي بانتصار أي طرف، لكن المذاق الفريد الذي يلوكه الجميع في أفواههم بنهم، منحنا القوة لنجزم بأنه في واحات زاكورة وأكدز، التمرُ وحده هو الذي انتصر.