هناك سؤال يتردد كثيرا على ألسنة مرضى الاكتئاب هو: هل له علاجات أخرى غير الأدوية المضادة للاكتئاب؟ والجواب على هذا السؤال هو: لا ونعم، في الوقت نفسه. إن الجواب هو لا، لأن العلاج الموضوعي الحقيقي هو الأدوية، عندما توصف وفق المعايير المتّفَق عليها بين المختصين. لكن الجواب قد يكون أيضا نعم، إذا كان قصدنا البحث عن مدعمات للعلاج الموضوعي. ولذلك، من الضروري أن نعيد التأكيد، في البداية، على أن الاضطراب الاكتئابي ليس مجرد مزاج حزين يتمكن الفرد من التخلص منه بتقوية الإرادة أو باللجوء إلى مدعمات نفسية، أيا كانت، على الرغم من أن إسناد العلاج الدوائي بهذه الوسائل أفضل وأكثر فاعلية في الغالب. إن الحزن أو المزاج الحزين هو رد فعل طبيعي للمرور بتجربة مؤلمة في الحياة، مثل فقد حبيب أو قريب أو الإصابة بمرض خطير. وهي أعراض لا تستمر طويلا في العادة، ولا تؤثر إلا مؤقتا في الأداء الأسري والمهني. ففي هذه الحالة، تفيد الإرادة وتفيد وسائل الدعم المعنوي والنفسي وحدها. أما بالنسبة إلى مرض الاكتئاب، فإن العلاج الطبي الموضوعي ضروري والعلاجات التدعيمية مفيدة في إسناده. وهذه العلاجات التدعيمية مزيج من الوسائل نذكر منها ما يلي: 1 التواصل مع المريض: بمحاولة استكشاف ما يعانيه ونظرته إلى تلك المعاناة وتصحيح مفاهيمه وبناء قناعات ذاتية جديدة لديه، عن طريق مساعدة المعالج، ولب هذا التواصل هو الحوار. وقد يتعلق الأمر بالتحدث مع شخص قريب أو صديق، فأحيانا يؤدي مجرد الإحساس بالاهتمام بمشكلتك أو إفراغ ما عندك من هموم إلى نوع من الارتياح. ولأسرة المريض دور مهم في مساعدته، فعليه أن يخبرهم بما يعانيه، وعليهم هم أن يتعرفوا على طبيعة المرض ليساعدوه ولا يكثروا من اتهامه أو إلقاء اللوم عليه، كما عليهم أن يوفروا له المساندة العاطفية، تفهما وحنانا وتشجيعا. 2 فهم المرض: فالغموض الذي يكتنف حالة المريض بالاكتئاب يزيد من معاناته، لكنه إذا علم طبيعة مرضه وأنه قابل للعلاج وأن هذا العلاج سهل ميسور، فقد يتخفف من جزء كبير من مخاوفه. ونجد، أحيانا، كثيرا من الأشخاص لا يعرفون ماذا يفعلون عندما يعانون من الاكتئاب وكيف يحصلون على المساعدة. فمجرد تقديم العون لهم على هذا المستوى أمر مهم. وما يجب معرفته، أيضا، هو أن علاج الاكتئاب لا يكون بين يوم وليلة، بل يحتاج إلى ما بين أسبوعين إلى ستة أسابيع، لتظهر البوادر الأولى للتحسن. فعلى المريض ألا يستعجل الشفاء، فله أجل معلوم لا محيد عنه. 3 التخلص من الأفكار السلبية: فسيطرة الأفكار السلبية عن الذات وعن الحال والمستقبل أعراض ثابتة في الاكتئاب، وهي بدورها تغذي الحالة الاكتئابية. ويمكن للمصاب أن يلعب دورا فعالا في التخلص منها، وانتقادها، فليس كل ماضيه وحياته أمورا غيرَ مرضية أو محزنة، بل فيها الكثير مما يُفرِح، وليس كل الواقع من حوله سلبيا، وهكذا... ومن طُرق كسر «طوق» تلك الأفكار السلبية عدم التفكير فيها والعمل على إبدالها بنشاطات تشغل العقل والحواس. ومن ذلك، أيضا، الانتباه إلى أن تلك الأفكار من أعراض مرض الاكتئاب، أي أنها لا تعكس الحقيقة ولا الواقع، بل ستزول مع زوال أعراض هذا المرض. 4 الالتزام بقواعد صحية وغذائية، مثل ممارسة رياضة ممتعة ومنتظمة، جماعية إن أمكن، وملء الأوقات بأنشطة مفيدة ومتنوعة، ثقافية أو اجتماعية، والحرص على الاختلاط مع الآخرين وتجنب الوحدة، والعمل على انتظام أوقات النوم والأكل واجتناب المنبهات أو على الأقل تجنب الإكثار منها (مثل الشاي والقهوة) وسلوك أسلوب في الحياة هادئ مخفف من الضغوط مبتعد عن أسباب الأزمات. 5 تنمية إيمان الإنسان بالله وثقته فيه والإحساس بالقرب منه والإكثار من ذكره ودعائه وقراءة كتابه والعيش في جو الأنس به والتوكل عليه والاطمئنان إلى جانبه، فإن كل ذلك يخفف من حالة التشاؤم والحزن ويجعل العلاج أفيَد وأنجح، بإذن الله. سعد الدين العثماني - طبيب مختص في الأمراض النفسية