تشتعل بين وزارة الصحة، التي تقودها الاستقلالية ياسمينة بادو، وبين لوبيات تصنيع الأدوية بالمغرب، حرب أعصاب حول موضوع تخفيض ثمن الأدوية، في الوقت الذي يظل المواطن المغلوب ينتظر ما ستسفر عنه هذه المعركة، بسبب المعاناة المستمرة مع أسعار الأدوية التي باتت تقلق شرائح واسعة من المواطنين المغاربة. يعود مشكل ثمن الدواء في المغرب إلى صدور تقرير عن لجنة المالية والتنمية الاقتصادية في نوفمبر من عام 1999، لاحظ أن أسعار الأدوية بالمغرب أعلى من مثيلاتها في دول أخرى، وأن الأدوية الأصلية، التي تلقى إقبالا أكبر مرتفعة بنسبة ما بين 30 في المائة و189 في المائة مقارنة بدول أخرى قريبة منا مثل تونس، وحمل مسؤولية ارتفاع أسعار الأدوية في المغرب إلى وزارة الصحة، التي لم تنجح في تخفيض الأسعار بسبب تطبيقها نصوصا تنظيمية متجاوزة يتم استغلالها من قبل منتجي الأدوية لرفع أثمنة الدواء. وقد فتح هذا التقرير باب المواجهات والانتقادات المتبادلة بين وزارة الصحة والمنتجين، ممثلين في الجمعية المغربية للصناعة الصيدلانية، الذين أصدروا إثر تعميم تقرير اللجنة الاستطلاعية للبرلمان بلاغا صحفيا عبروا فيه عن استغرابهم للاتهامات الموجهة إليهم في التقرير دون أي تمييز، والتي تبخس الجهود التي بذلوها للمحافظة على موقع الصناعة الصيدلانية المغربية في الساحة الدولية. كما سجلوا محدودية المعايير وعينة الأدوية التي اعتمد عليها التقرير البرلماني لإجراء المقارنات بين أسعار الأدوية المتداولة في المغرب بغرض الخروج بخلاصاته المتعلقة بسبب غلاء الدواء والأطراف المسؤولة عن ذلك. وقد ظهر منذ بداية إثارة هذا الموضوع أن قضية الدواء في المغرب تتداخل فيه جهات عدة، كل جهة تحاول الانتصار لموقفها، إذ استندت وزارة الصحة على نتائج تقرير اللجنة المذكور للدفع في اتجاه تخفيض أسعار الدواء وتعميم استهلاك الأدوية الجنيسة لدى المغاربة، التي تعتبر أقل كلفة بالنسبة للمواطنين مقارنة بالأدوية الأصلية، الأمر الذي يرى فيه المصنعون مساسا بمصالحهم وتقليصا لهامش الربح بالنسبة لهم، وهيمنتهم على سوق الدواء التي تعد أكثر ربحية في المغرب، والتي تتجاوز أسعارها بكثير ما هو معمول به في عدد من البلدان الشبيهة بالمغرب. ولبحث نجاعة التوجهات التي اختارتها وزارة الصحة عملت الوزارة على تكليف مكتب دولي للدراسات هو «بوسطن كروب كونسلتينغ» الأمريكي بإنجاز دراسة مسحية حول أسعار الأدوية في المغرب بشكل عام والفوائد الاقتصادية والاجتماعية والصحية للأدوية الجنيسة المقترح تعميمها، ومدى صلاحية تلك الأدوية مقارنة بالأدوية الأصلية، وخلصت الدراسة إلى مجموعة من التوصيات تهم بالأساس تخفيض أسعار الدواء وتسهيل الولوج إليه بالنسبة للمواطن، حيث اقترحت الرفع من نسبة الأدوية الجنيسة وتحديد ثمن الدواء باعتماد النظام الذي تعتمده دول في نفس الوضعية. وأوضحت الدراسة أن تطبيق التوصيات المقترحة من شأنه المساهمة في تخفيض ثمن الدواء بنسبة 11 في المائة، بشرط الرفع من الأدوية الجنيسة من 25 في المائة إلى 50 في المائة خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو ما قد يؤدي إلى خفض ثمن الدواء بنسبة 45 في المائة في حال الالتزام بتلك الإجراءات خلال المدة المقترحة.