قد لا يكن جميلات بالضرورة، لكن يجب أن يكن جميلات على الصور «فوتوجينيك»، فتيات يشتغلن في المهنة الوحيدة التي تحصل فيها المرأة على دخل أعلى من الرجل. عارضات الأزياء يجنين مبالغ مالية قد تغري فتيات مراهقات بخوض هذه التجربة، خاصة وأن شركات الإشهار والوكالات تعطي صورة أميرية لهؤلاء العارضات، حتى يخيل للفتيات بأنهن يأكلن الطعام بملاعق من ذهب... فتيات فارعات الطول مرهفات الأحاسيس يكن موضع حسد وغيرة من طرف جميع الفتيات، كما يكن موضع رغبة وتقرب من أغلب الرجال. إذ تحلم أي شابة بهذا العمل «كان حلمي أن أصبح عارضة» تقول عبير، اسم مستعار، تتذكر هذه العارضة، التي اعتزلت عالم الأضواء منذ سنوات. «في أحد الأيام وأنا في طريقي إلى المنزل بعدما غادرت الثانوية أوقفني رجل وأخبرني بأني أصلح أن أكون عارضة» تقول عبير. أخذ الرجل للشابة مجموعة من الصور لتكون أولى خطواتها في مجال كانت تحلم بأضوائه وشهرته» كنت هادئة ومنغلقة على نفسي في السابق» تقول عبير، التي رفضت الكشف عن اسمها الحقيقي لأسباب شخصية قبل أن تضيف «لم أكن فتاة شعبية مثيرة أو تحظى باهتمام الناس، لكني ولدت لأكون عارضة». مرض فاعتزال واختفاء عن الأضواء انطلقت عبير، بنفس جديد في عملها في مجال عرض الأزياء وعمرها آنذاك 16 سنة وهي منبهرة بسحر ذلك العالم «في ذلك العمر كنت محظوظة لأني أسافر وأتنقل أكثر من رفيقاتي وأقراني وأستطيع أن أدخل أماكن راقية وألتقي أشخاصا من عوالم مختلفة» تسكت عبير للحظة، قبل أن تضيف وهي تتنفس الصعداء، «كنت أحس بأني أتحكم في حياتي». تحولت عبير من شابة منغلقة لا تحظى باهتمام الناس إلى حسناء يسعى الجميع إلى التقرب منها، وموضع حسد من طرف رفيقاتها. كانت الأمور تسير على ما يرام بالنسبة إلى هذه الشابة وأصبحت أكثر سعادة بعد أن تزوجت «كنت سعيدة بكل ما حققته» تتذكر عبير، لكن مع الوقت أصبحت تعاني آلاما في البطن وإسهالا مستمرين وارتفاعا في درجة حرارة جسمها «لم أعر الأمر أهمية كبرى لأني اعتقدت أن السبب يرجع إلى الحمية الغذائية الصارمة التي التزمت بها منذ زواجي مخافة زيادة وزني». ظلت هذه العارضة تهمل مرضها، فالأولية بالنسبة إليها، آنذاك، كانت للحفاظ على رشاقتها، وتناسق جسمها مهما كلف الأمر، إلى غاية ذلك اليوم حين اكتشف الأطباء بأنها مصابة بداء «كرون»، وأن مرضها وصل إلى وضعية حرجة لأنها جاءت إلى المستشفى في وقت متأخر «ستموتين إن استمررتي على هذا الوضع» قال لها الطبيب فانتقلت إلى فرنسا لإجراء عملية جراحية، اضطر معها الأطباء إلى إزالة جزء من الأمعاء. عندما تتحول الرشاقة إلى مرض عروض الأزياء تدر على صاحبها ما بين 1000درهم و2000درهم بالنسبة إلى العارض الرجل و2000 و3000 درهم بالنسبة إلى العارضات، أما خلال عروض الأزياء التقليدية فقد تحصل الشابة على 3500 درهم، لذلك فإن تظاهرة «قفطان المغرب» تظل حلم أي عارضة مغربية. لكن في المقابل فإن عروض الأزياء التقليدية التي قد ينظمها مصممون غير معروفين تحصل خلالها العارضات على 1500درهم. وبغض النظر عن المبلغ المالي الذي تجنيه عارضات الأزياء في المغرب، لا تستطيع أي فتاة الاستمرار في أداء عملها، لأنهن مجبرات في بعض الحالات على اتباع حمية غذائية صارمة، وهو ما يتحول إلى هاجس يؤرق حياتهن، فإذا كان وزن الشابة أكبر من 36 و38 كيلو غرام إن كان طول جسمها 1.75 فإنها ستكون مرفوضة في هذا العمل، إلا في حالات نادرة. فعبير كانت تتبع حمية غذائية تعتمد على تناول وجبة واحدة في اليوم مع الإكثار من شرب الماء لكي تعطي الانطباع الدائم بامتلاء المعدة، «لا أعلم إن كانت الحمية السبب الرئيسي لمرضي، لكنها كانت من بين العوامل التي فاقمت وضعي» تقول عبير بأسى. وعلى الرغم من وجود بعض العارضات اللواتي قد يخاطرن بصحتهن مقابل هوس الرشاقة فإن بعضهن ضد اتباع هذه الحميات «أنا ضد الفتيات اللواتي يقمن بحميات صارمة بحثا عن رشاقة معينة لأن الأمر يتحول إلى مرض» تقول أمينة العلام، قبل أن تضيف «هذه الحالات تفرض حماية من الأهل». لا مستقبل لهذه المهنة في مقابل نظرة سلبية «لا مستقبل لهذه الحرفة بالمغرب» تقول وداد، وتضيف «فضلت أن أبقى هاوية ومنشغلة بدراستي أولاً، لأن هذا المجال لم يقنن بعد ولا يؤمن مستقبل العارضة وحقوقها كباقي المهن على غرار ما هو موجود في دول أوروبا وغيرها من الدول التي توجد بها شركات عرض الأزياء المتخصصة»، فعروض الأزياء يمكن أن تعد على رؤوس الأصابع والأجور محدودة، وبالتالي فإنها تبدو مهنة مرفوضة حالياً، كما أن نظرة البعض للعارضة قاسية وسلبية تجعلها محبطة باستمرار، «فالعارضة التي قد تظهر اليوم أمام أضواء الكاميرا ويصفق لها الجمهور، تجدها في اليوم الموالي توارت عن الأنظار بسبب إحدى العراقيل التي تواجهها» تضيف وداد. قبل أن تقول وكأنها تطلق صرخة «الناس يرون في عارضة الأزياء إنسانة سطحية وغير محترمة». فالعمل في مجال عروض الأزياء مايزال غير مقنن، لأن القانون المغربي لا يسمح بإنشاء وكالات خاصة بعروض الأزياء، لكنه في نفس الوقت يسمح بتنظيم تظاهرات وحفلات لعروض الأزياء. فالعارضة تسلط عليها الأضواء وتتصدر صورها المجلات المتخصصة وتنقل حفلاتها على شاشة التلفزيون، وربما يكون ظهورها لافتاً أكثر من نساء السياسة، بينما واقع حالها بعيد كل البُعد عما يتخيله الناس الذين لا تختلف نظرة إعجابهم أو انبهارهم بما تقدمه هذه العارضة من تنوع في الأزياء والموديلات، فالانطلاقة الحقيقية لهذه المهنة يجب أن «تبدأ من تنظيم الميدان وتحديد العلاقة القانونية بين المصمم والعارضة، وتنظيم المسابقات في المناسبات المختلفة لتكريم العارضات المغربيات» تقول وداد. دور الوكالات المتخصصة في صنع عارضات نجمات في ظل غياب قانون يؤطر مهنة عرض الأزياء فإن اختيار دور الأزياء بالمغرب للعارضات يتم عن طريق العلاقات الشخصية، فأغلب المصممين يلجؤون إلى الأصدقاء والصديقات لانتقاء العارضات، عوض التوجه إلى وكالات متخصصة «الوضع تغير في المغرب، والمغربيات يندمجن أكثر في هذا المجال» تقول حسناء «ميشن فاشن» أمينة العلام. لكن مشكل عدم انتظام العمل والأسعار بسبب عدم وجود قائمة تحدد أسعار مختلف أنواع العروض التي تقوم بها عارضة الأزياء في المغرب يسبب معاناة العارضات المغربيات. لكن المشكل الأكبر، حسب سناء مبتسم، التي تشتغل حاليا خبيرة أزياء بإحدى أكبر المجموعات الاقتصادية الكبرى، هو عدم وجود وكالات تتبنى وتتكلف بهؤلاء العارضات، حيث تقوم بإعداد الكتاب المهني، الذي يضم صورا احترافية لأي عارضة أزياء حتى ولو كانت مبتدئة، إذ تكلف هذه العملية 20 ألف درهم لأنها تتطلب خبيرا احترافيا في تصفيف الشعر والمكياج وكذا أتعاب مصور احترافي. «إعداد صور مهنية يسهل للعارضة عملية المشاركة في عروض الأزياء سواء بالنسبة للمجلات أو خلال حفلات لعروض الأزياء» تقول مبتسم قبل أن تضيف «لكن العارضات المغربيات يلجأن إلى إعداد الكتاب المهني من خلال صور العروض التي يشاركن فيها». المجلات المتخصصة مجال العمل المهم للعارضات المغربيات معظم العروض التي تنظم في المغرب تبقى مع ذلك قليلة، ويلجأ فيها المنظمون إلى علاقاتهم الخاصة للبحث عن العارضات أكثر من اللجوء إلى وكالات متخصصة، لذلك ففرص العمل بالنسبة للعارضات المغربيات تظل قليلة مقارنة مع العارضات خارج الحدود الوطنية، لكن انتشار المجلات المتخصصة أصبح يشكل سوقا تتنافس عليه حسناوات المغرب، لكن الأسماء التي تشتغل معها هذه المجلات تظل قليلة، أولا بسبب قلة العارضات، وثانيا بسبب نوع من الزبونية الذي يسود هذا المجال، حيث يفضل المصممون التعامل مع أسماء معينة. داخل الاستوديوهات تدور أغلب جلسات التصوير التي تخصص للمجلات، وخلال ست ساعات من العمل قد تحصل العارضة على مبلغ مالي يبدأ من 1300درهم وقد يصل إلى 4000 درهم حسب شهرة العارضة. هذا في الوقت الذي تتكلف المجلة بدفع أتعاب المزينات الذي يتراوح ما بين 1500 إلى 2000درهم. وعلى عكس العارضات اللواتي يتقاضين مبالغ مالية من أجل الظهور على صفحات المجلات المتخصصة فإن الفنانات لا يتقاضين أي مبالغ.