يوجد شيء ما إيجابي جدا في الجدل الشديد الذي يجترف الآن المجتمع الإسرائيلي، حول مسألة ما إذا كانت «موجة من العنصرية» تجتاح الآن المجتمع الإسرائيلي. بعد 35 سنة على تمزيق سفير إسرائيل في الأممالمتحدة، حاييم هرتسوغ، أمام ناظر كل العالم، الورقة التي طُبع عليها قرار الأممالمتحدة القاضي بأن «الصهيونية عنصرية»، وبعد 9 سنوات على قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة التراجع عن هذا القرار والإعلان عن كون الصهيونية ليست عنصرية، يتبين أنه لعلنا على ما يكفي من النضج والحصانة كي نفحص العلاقة بين «الصهيونية» و«العنصرية» بأنفسنا، وأن نُعرّف بوعي وشجاعة علاقاتنا مع العرب الذين بين ظهرانيهم نسكن. على مدى سنوات عديدة كبتنا مسائل قاسية، تنشأ عن شذوذ الشعب اليهودي في أسرة الشعوب. عرفنا أنه في أماكن أخرى لا يوجد شيء كهذا.. أن شعبا منتشرا ومفصولا يتجمع فجأة من أربعة أطراف المعمورة و«يعود» إلى البلاد التي سُبي منها قبل ألفي سنة. عرفنا أنه لا يوجد شيء كهذا.. أن ذات الشعب يحتل لنفسه أجزاء من البلاد التي يدعي أنه «عاد» إليها ويقيم فيها دولة لنفسه. وعرفنا، جيدا جدا، أنه لا يوجد شيء كهذا يُدعى «دولة المسيحيين» أو «دولة المسلمين» وكم مدحوضة تبدو فكرة تأسيس ما يُسمى «دولة اليهود»، بل وفي قلب الشرق الأوسط. ومع ذلك، فضلنا إيجاد دولة عادية بدلا من مواجهة آثار تميزنا القومي. من الصعب على الشعب أن يستوضح جوهر وجوده الشاذ والمختلف، في ظل حرب ضروس ولا تنقطع في سبيل مجرد هذا الوجود. ولما كنا، على مدى سنوات عديدة، منشغلين ببقائنا ولم نتفرغ لنشرح للعالم وقبل كل شيء لأنفسنا - أن الصهيونية ليست عنصرية ولكنها مخصصة فقط لليهود، وأنه على المستوى الشخصي يستحق كل عربي الاحترام والتقدير، ولكن على المستوى القومي ببساطة لا يزال غير ممكن، مع كل النية الطيبة، إحلال مقاييس المساواة الواردة في العالم المتنور على الديمقراطية الإسرائيلية. على مدى سنوات عديدة، تمسك كثير منا بتبريرات أخلاقية متحطمة لوجودنا في البلاد، ولاسيما حجة أن الكارثة هي التي منحتنا الحق في المجيء والاستيطان فجأة في السهل الساحلي وفي الجليل وفي النقب. العرب لم يشتروا أبدا هذه الحجة، وعن حق، فما لهم وجرائم النازيين ولماذا ينبغي لليهود أن يُعيدوا بناء أنفسهم بالذات على حسابهم؟ ولكن المجتمع الإسرائيلي واصل الاعتماد على الأحداث التاريخية، رغم أنف العرب، واستخدامها لشرح طرد عرب يافا وعكا بل وفي حرب الاستقلال، ورفضه الاعتراف ب«حق العودة» لهؤلاء المطرودين إلى نطاق دولة اليهود. حرب الوجود، التي تعيشها إسرائيل منذ بداية عودة صهيون في الزمن الجديد، منعتنا حتى اليوم من التوقف والاستيضاح لأنفسنا لماذا حقا عدنا إلى صهيون وما الذي حقا يبرر هذه الدولة اليهودية التي طالما حلمنا بها، وإذا بنا نراها واقعا. الجدال حول «موجة العنصرية» التي هي عمليا جدال على حقنا في وجود دولة يهودية في بلاد إسرائيل يثور الآن لأنه يخيل أن دولة إسرائيل تتمتع، هذه الأيام، بنوع من المهلة الزمنية في هذه الحرب. ولكن في حقيقة الأمر لا توجد هنا أي مهلة. العرب في بلاد إسرائيل وفي الشرق الأوسط بأسره لم يتوقفوا عن محاولاتهم تصفيتنا بل انتقلوا فقط، في الفترة الأخيرة، إلى التشديد على تكتيكات تصفية ذكية ومتطورة. من جهة يواصلون إطلاق الصواريخ اليومية على أراضينا السيادية ويهددون بالتصفية الجسدية «العادية» من خلال الحروب والإرهاب، ومن جهة أخرى، جهة لم يُقم فيها المجتمع الإسرائيلي على طوله تحصينات مناسبة، يحاولون تصفية الدولة اليهودية، سواء من خلال السيطرة عليها من الداخل أو من خلال خلق تشكيك دولي في حقها في الوجود. الحجة، وكأن الدفاع عن الأغلبية اليهودية في إسرائيل التي ليست سوى أقلية زهيدة في الشرق الأوسط هو فعل «عنصري»، تبدو، على خلفية المحاولات غير المنقطعة لتصفية إسرائيل، إشكالية جدا. الأحاديث عن «موجة عنصرية» في داخلنا من شأنها أن تفرح أعداءنا وتسود صورتنا الدولية. وعلى الرغم من ذلك، فإن مجرد الجدال في طبيعة الصهيونية هو جيد وجدير وضروري. ولعلنا نخرج منه أكثر وضوحا، أكثر فهما لما نفعله في هذه البلاد، ومستعدين أكثر للتصدي لكل ما لا يزال ينتظرنا في المسيرة المركبة والمعقدة هذه التي لا يوجد بعد، في العالم، شعب اختبر أي شيء مشابه لها. عن «إسرائيل اليوم»