شهدت إحدى الحافلات وسط العاصمة الرباط، صبيحة أول أمس، حدثا غريبا من نوعه، أعاد إلى واجهة النقاش من جديد موضوع السياسة الصحية الخاصة بالنساء الحوامل والإجراءات التي ما انفكت وزارة الصحة تتحدث عنها خلال الفترة الأخيرة لمحاربة وفيات الأمهات. فبعد شهور قليلة من إعلان ياسمينة بادو إطلاق خدمة الهاتف الاقتصادي الخاص بالحوامل المقبلات على الوضع، وجد سائق حافلة نفسه مجبرا على تغيير خط سيره والاتجاه رأسا صوب أقسام الولادة داخل المستشفى الجامعي ابن سينا، بعدما فاجأ المخاض إحدى السيدات التي كانت تقصد المستشفى نفسه. وأكد شهود عيان ل«المساء» أن الجميع فوجئ داخل المستشفى بولوج الحافلة الباب الرئيسي للمستشفى، قبل أن يسارع أحد الأطباء وممرضون مساعدون إلى الصعود إلى الحافلة وإنزال الركاب، ليتضح لهم أن الأمر يتعلق بولادة طارئة. وعلمت «المساء» أن الطبيب ومساعديه بذلوا مجهودات كبيرة لتوليد السيدة داخل الحافلة نفسها، بعدما تأكد لهم أنه يستحيل نقلها إلى قسم التوليد داخل المستشفى، وقد تمت عملية «التوليد في ظروف لا تختلف كثيرا عما عاشته جداتنا قبل عقود»، يوضح أحد شهود العيان. وقد حملت الأم ووليدها بعيد ذلك إلى داخل المستشفى لمتابعة حالتهما الصحية والتأكد من عدم تعرضهما للإصابة بأي مضاعفات، تحت أعين ركاب الحافلة وزوار المستشفى الذين صفقوا «لانتهاء الولادة على خير». وأكدت مصادر طبية ل«المساء» أن حادثة الولادة داخل الحافلة وسط العاصمة تؤكد أن السيدة عاشت فترة المخاض لحوالي ست ساعات على الأقل بعلم زوجها وأسرتها، «وهو ما يجعلنا نتساءل عن السبب في لجوء الزوج إلى الحافلة لنقل زوجته لكي تلد، وهل لذلك علاقة بغياب خدمة سيارة الإسعاف في المنطقة التي يعيش فيها؟». وحسب المصادر نفسها، فإن المستشفى تصله العديد من حالات الولادة المستعصية في وضعية متقدمة بعد أن تعجز الأسر عن إيجاد وسيلة نقل سريعة لحمل السيدة الحامل إلى المستشفى، وغالبا ما يكون الوصول إلى سيارة إسعاف «مستحيلا، وأقصى ما يستطيعه الناس هو الاتصال بعناصر الوقاية المدنية التي تجد نفسها مقحمة في موضوع لا علاقة لها به، علما أن نقل سيدة حامل يجب أن يكون داخل سيارة إسعاف تتوفر على جميع الأدوات الطبية اللازمة، وإلا فإن نقلها داخل أي وسيلة نقل أخرى يهدد بوقوع مضاعفات خطيرة على صحة الحوامل وحملهن». وقد طالب بعض من شهدوا واقعة مستشفى الولادة في «ابن سينا» شركة «فيوليا» بأن تعمل على منح الأم ووليدها وأسرتها بطاقة ركوب مجانية طيلة الحياة، غير أن هذا الاقتراح جعل البعض يعبر عن تخوفه من أن يكون عامل تشجيع لنساء العاصمة ومحيطها على تعويض أقسام الولادة بكراسي الحافلات الصينية ل»ستاريو»... وكانت وزيرة الصحة، ياسمينة بادو، قد أعلنت، مؤخرا، خلال ندوة إعلامية، أن الوزارة التزمت بتقليص نسبة وفيات الأمهات إلى ما يفوق 75 % ووفيات الأطفال إلى نسبة الثلثين(2/3) «لأنه لم يعد مقبولا بالنسبة إلى بلدنا الاستمرار في تسجيل نسب عالية في ما يخص وفيات الأمهات والأطفال»، مضيفة أن الوزارة تمكنت من مراقبة أزيد من 455000 ولادة داخل مؤسسات القطاع العام، وأنها عينت ما حوالي 700 مولدة منذ 2007. وقد سبق للوزارة نفسها أن خصصت رقما هاتفيا اقتصاديا خاصا بالنساء الحوامل المقبلات على الوضع، من أجل التبليغ عن مشاكلهن الصحية، وتعهدت بتعميم مجانية التنقل والولادة، عادية كانت أو قيصرية، وإحداث نظام المساعدة الطبية للتوليد في العالم القروي.