سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بنجلون: الجامعة لازالت مرتعا للاستقطاب الإيديولوجي وهو ما يؤثر أحيانا سلبا على مردوديتها العلمية قال إن الجامعة التي خضعت لوصاية الدولة طيلة عقود لا يمكنها أن تستقل بسرعة
بعد الإصلاح الجامعي لسنة 2003 والمرتبط بعشرية الإصلاح، ظهرت نسخة جديدة من هذا الإصلاح وزعت على مدى أربع سنوات ابتداء من 2007 حتى 2011، حيث شرع في تنفيذ رزنامة من الإجراءات الجديدة والتي لقيت وتلقى حتى الآن مقاومة من طرف حساسيات مجتمعية كثيرة، هل لكم أن تضعونا في صورة ما تم إقراره، ثم الفلسفة العميقة التي حكمته؟ يجب التأكيد على أن الإصلاح البيداغوجي الذي عرفته الجامعة المغربية سنة 2003 لم يعرف نسخة جديدة كما يزعم البعض، وأنه في سنة 2007 تم تقييم المسالك المعتمدة للوقوف على جوانب القوة والضعف فيها. وقد نتج عن ذلك اعتماد مسالك في حلة جديدة لمدة أربع سنوات وهي الفترة القانونية لاعتماد كل المسالك، وهذه الحلة جاءت استجابة لحاجة مجتمعية ملحة تفرضها الرهانات الكبرى التي يستهدفها المغرب اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، والتي سنبدأ في الأفق المنظور في قطف بواكرها إن شاء الله. - من بين النقط المهمة التي جاء بها الإصلاح الجامعي، نجد مسألة الاستقلال المالي، حيث تم الاستئناس بتجارب عالمية رائدة لتشجيع الجامعة المغربية على خلق مواردها المالية الخاصة بها، غير أن هذا الرهان يواجه حتى الآن عراقيل منها ما هو مرتبط ببنية الجامعة، خصوصا جانب الموارد البشرية، ومنها ما هو مرتبط بمحيط الجامعة، كيف تواجهون هذه العراقيل وغيرها؟ فعلا، جاء القانون 01.00 ليعترف باستقلالية الجامعة سواء على الصعيد الإداري أو المالي، ولكن المقتضيات الخاصة بتفعيل هذه التوجهات الجديدة ما تزال بطيئة في المجال التطبيقي وعلى الخصوص في مجال التدبير المالي. ولكن يجب التذكير بأن الجامعة المغربية التي خضعت، منذ تأسيسها، في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، إلى وصاية الدولة في المجال البيداغوجي والمالي والإداري، لايمكنها أن تستقل بذاتها بسرعة فائقة. فهي في حاجة إلى التدرج في هذه العملية الصعبة، غير أن هذا الاختيار يبقى استراتيجيا لأنه سيجعل الجامعة أكثر حرية من جهة، وأكثر انخراطا في الاستجابة لحاجيات محيطها السوسيو اقتصادي من جهة أخرى. - أنتم خريج للجامعة المغربية، في زمن يمكن أن نقول عنه إنه ذهبي، هل لكم أن تجروا مقارنة بين الجامعة في العقود الماضية والجامعة وهي تتحول على ضوء الإصلاح؟ بمعنى هل صحيح أن الجامعة اليوم فقدت هويتها، باعتبارها مشتلا للأطروحات السياسية والاجتماعية؟ لقد مرت الجامعة المغربية بعدة مراحل في التطور الذي شهدته منذ تأسيسها. وقد تأثرت خلال كل هذه المراحل بالعديد من الحركات الطلابية التي كانت دائما تعمل وفق برامج مسطرة وخاضعة لاعتبارات سياسية وإيديولوجية. ولكن يجب الاعتراف، الآن، بأن الجامعة المغربية وبفضل الإصلاح الذي شهدته منذ 2003، وعلى الخصوص بفضل البرنامج الاستعجالي 2009-2012 قد دخلت في مرحلة جديدة في مسلسل التطور الذي تعرفه والذي سيؤهلها للاندماج في الألفية الثالثة بكل سهولة، لأنها ستتحول إلى منارة للعلم والبحث العلمي الحقيقي، ويحولها في نفس الوقت إلى عنصر استقطاب وجذب للباحثين لإنضاج أطروحاتهم التي تستجيب لحاجيات مغرب الألفية الثالثة. - هناك من ينظر لاستكمال التكوين في التعليم العالي كالماستر والدكتوراه على أنه حق، لذلك يطالبون بإلغاء مباريات الدخول والانتقاء، ما مدى معقولية هذا الطرح في كلية العلوم القانونية؟ إن استكمال التكوين في التعليم العالي يعتبر حقا لكل مواطن متى توفرت لديه كل الشروط الخاصة بولوج التكوينات المفتوحة. وبالتالي فإن حق التمدرس يكون نسبيا مادام يخضع للضوابط المنصوص عليها في القانون. وهذا الأمر لا يتعارض مع مبدأ مجانية التعليم. أما فيما يخص عملية الانتقاء لولوج التكوينات الجامعية، فقد أصبحت منذ عدة سنوات أمرا ضروريا نظرا للارتفاع الكبير في أعداد الطلبة ومحدودية التأطير البيداغوجي والإداري. وعملية الانتقاء، بغض النظر عن هذه الاعتبارات، ينبغي النظر إليها في فلسفتها على أنها تشجيع للتميز والتألق، واعتماد على معايير الكفاءة والاستعداد ليكون التعليم العالي في مستوى الانتظارات الكبرى التي يعلقها عليه المغرب. - أشار التقرير الأول للمجلس الأعلى للتعليم إلى أن المدرسة والجامعة المغربيتين، كانتا ضحيتين للاستقطاب الإيديولوجي، وإذا صح لنا وضع مفهوم الإيديولوجية كنقيض للعلم، ما هو السبيل الذي ترونه ممكنا للنهوض بالمكانة العلمية للجامعة، وتجاوز مطبات الديماغوجية؟ فعلا، الجامعة المغربية كانت ولازالت مرتعا للاستقطاب الإيديولوجي، الشيء الذي يؤثر أحيانا سلبا على مردوديتها العلمية وانفتاحها على المحيط. ونعتقد، في هذا الصدد، أن الجامعة يجب أن تلعب دورها كاملا في مجال البحث العلمي وتكوين الأطر بعيدا عن كل ما من شأنه أن يعرقل مسارها في هذا المجال، سيما وأن ظاهرة العولمة وترتيب الجامعات على الصعيد الدولي وضمان جودة التكوين في مختلف الحقول المعرفية أصبحت معايير أساسية لتقييم الجامعات وما أحوجنا إلى نظام جامعي بعيد عن كل التأثير الإيديولوجي، فاليوم نستطيع الحديث عن كوننا نعيش في عالم ما بعد الإيديولوجية، وكل البلدان التي استوعبت هذه الحقيقة استطاعت أن تنخرط في عالم المعرفة، عندما أزالت غشاوة الإيديولوجية، وهذا حلمنا الأكبر الذي نسعى إليه بإصرار. - لاشك أنكم اطلعتم على كتاب المفكر الأمريكي «ألن توفلر»، ويحمل عنوان «تحول السلطة»، والذي يتكلم فيه عن المجتمعات المعاصرة القائمة على الاستثمار في المعرفة، كيف يمكن تحقيق هذا الطموح في مغرب نصف سكانه أميون، بالمعنى الحرفي للكلمة، والنصف المتبقي يعاني أمية قانونية، بحقوقه وواجباته؟ إنه كتاب قوي وصادم وصريح، وأنا للأمانة مازلت بصدد دراسته للمرة الثانية. إذ انه يعطينا صورة واضحة عن العالم الجديد الذي تكلمت عنه في سؤالك السابق، ويمكنني أن أضيف أن أهم استثمار يتجلى ليس فقط في المعرفة ولكن في تكوين الإنسان كفاعل اجتماعي، يؤمن بالتقدم والمعرفة العلمية ويحترم حقوقه وحق الآخر بكل التزام، صحيح أن هذا أمر ينقصنا في العديد من المجالات، لكن يبقى الأكيد هو أن المغرب، ومن خلال مشاريع كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والإصلاح الجامعي، الذي أشرت إليه في بداية الحوار، وغيرها من المشاريع قد أعطى الدليل القاطع على أنه مصمم العزم على الانخراط في عالم الألفية الثالثة، التي يرسم كتاب توفلر ملامحها الكبرى.