حين استقبلت بعض الأقرباء الذين زاروني بعد غياب غير يسير، استوقفني منظر أحد الأبناء الذي جاوز بطوله الفارع قامة والديه، يمشي مقوس الظهر وكأنه يخجل من هذا التغيير الذي لم يكن في الحسبان، بأنف عريض يغطي على باقي تفاصيل الوجه، ويستعمر المساحة الأوفر فيه. أما شعره الذي تعود أن ينسدل على جبهته، فقد أصبح مثل حديقة أشواك ثائرة. أشياء كثيرة تغيرت في هذا الطفل الذي كنت أداعبه بالأمس القريب، لقد أصبح رجلا صغيرا، مراهقا في أول الطريق. هذه التفاصيل الفسيولوجية، التي يشترك فيها الكثير من المراهقين، ليست سوى الجزء الصغير الذي يطفو من جبل ثلجي، فهذا الكائن، المنغمس داخل نفسه، يشكل مشكلة حقيقية للآباء الذين يشتكون من مزاجه المتقلب وعصبيته. ويستغربون كيف لطفلهم الذي كان بالأمس لا يقوى على فراقهم، ويعتمد عليهم في حركاته وسكناته، أن يتحول إلى متمرد، يرفض أن يتدخلوا في اختياراته. كيف لهذا الابن، الذي كان يتوسل بالأمس القريب، كي يبقى بينهم، أن يرغب الآن في الاستقلال العاجل، ويرفض أن يفتشوا في أشيائه، وأن يسألونه عن من يهاتفه ومن يزوره؟ والحقيقة أن المراهقين أنفسهم يصدمون بهذه التغيرات الجسمانية المفاجئة ويقعون معها تحت الحيرة. فهم يظنون أنه لا يليق بهذا الجسم الضخم أن يتصرف مثل الأطفال، لكنهم، في نفس الوقت، لم يتعلموا بعد، كيف يتصرفون مثل الكبار. وليسوا قادرين على تحمل مسؤولية أنفسهم دون مساعدة. يحس المراهق أيضا بأنه وحيد ومتفرد في فرحه وحزنه، وحتى في آرائه التي بدأ للتو في بلورتها، وتغمره حيرة عارمة حول المفاهيم المجردة التي بدأت تستحوذ عليه، عن معاني الحب والسعادة، الكراهية والصداقة. ويقود، في نفس الوقت، ثورة على كل القوانين بمثالية لا حد لها، وكأنه يعيد ترتيب العالم. المراهقة فترة المواجهات الكبرى بين المراهق وبين كل من يظن أنهم لا يفهمونه ويحاولون قمعه مثل أبويه وأساتذته. مواجهات يستعمل فيها لغة الكبار بفهم طفل. كأن يواجه أباه بكلمة «ظالم» أو يستعمل كلمة «متخلف» أو «رجعي» ليصف مواقف والديه. وهو، في الحقيقة، لا يقصدها حرفيا، بل يستعير لغة أكبر منه ليعبر عن مشاعر جديدة عليه. وحين لا يتفهم الكبار ذلك، تبدأ المواجهات اليومية، التي يغدو فيها الآباء والأبناء مثل التيوس المتعاركة داخل حلبة المنازل. أظن أن الأمور قد تختلف إذا ما تكبد الآباء عناء الذهاب إلى محيط المؤسسات التعليمية التي يدرس فيها الأبناء، حينها سيتعرفون على عالم مثير من التنافس، ويرون عن كثب الإغراءات المختلفة التي تمارس على أبنائهم من طرف أقرانهم المدللين أو المنحرفين. تنافس في الملابس وفي أحدث صيحات الأجهزة الإلكترونية. وأخطر من ذلك، المخدرات والتدخين والعلاقات الجنسية. فيجد المراهق نفسه ممزقا بين الانخراط في هذا العالم، كي يتم الاعتراف به داخل هذه الزمرة، أو يتعرض للإقصاء والتهميش وأحيانا التحقير منه، لأنه في نظرهم جبان ومتخلف. المراهقة فترة حاسمة في حياة الأبناء، تتكون أثناءها الخطوط العريضة لشخصيتهم ومستقبلهم، يجب أن يتسلح فيها الآباء بكثير من الصبر، ولا مفر من بناء جدار متين من الثقة المتبادلة بينهم وبين أبنائهم. الإنصات والتسامح، الحوار الهادئ ، والأخذ والرد في القول والأفكار، يجب تكون الوسائل الوحيدة للخروج بأقل الخسائر من نفق المراهقة المرهق.