"مشاورات بوزنيقة" تجمع الفرقاء الليبيين على خارطة طريق لإنهاء المراحل الانتقالية    ألمانيا تمول السياسة المناخية للمغرب    بوتين: سقوط الأسد ليس هزيمة لروسيا    الأمن يوقف طبيبا ووسيطا في طنجة    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    أطباء بلا حدود تتهم إسرائيل بتنفيذ حملة تطهير عرقي في غزة    أبرزها "الكلاسيكو".. الجولة 13 تختتم يومه الخميس بإجراء ثلاث مواجهات    بنكيران: عندما تبالغ الحكومة فإن في الدولة من يقوم ب"تجباد الوذنين" وعلى أخنوش الاستقالة بسبب تضارب مصالحه        "فيفا": منتخب المغرب بالمركز 14 عالميًا    النجاح البارز للترشيحات المغربية في عام 2024: تجسيد للرؤية الملكية السامية من أجل حكامة متعددة الأطراف فعالة وتضامنية    محكمة فرنسية تقضي بسجن بيليكوت 20 عامًا بتهمة اغتصاب زوجته السابقة    فتاة تلقى مصرعها إثر سقوط مروع من سطح منزل بطنجة    غرق قارب يقل 50 مهاجراً بسواحل الكناري    حكم بالحبس في حق مربية عنفت طفلا مصابا بنقص النمو والتوحد    بنكيران مخاطبا رئيس الحكومة: 'يا تلعن الشيطان يا تقدم استقالتك'    إدانة 17 متهمًا في قضية هبوط طائرة "Air Arabia" اضطراريًا في إسبانيا    جدل الكرة الذهبية الإفريقية.. حكيمي: لقد أوهموني أنني الفائز!    الإفراج عن أربعة فرنسيين في بوركينا فاسو بفضل وساطة الملك محمد السادس    غدا ‬تنطلق ‬أشغال ‬المناظرة ‬الوطنية ‬الثانية ‬للجهوية ‬المتقدمة    ‮«‬خطوة ‬حقوقية ‬جريئة‮..»‬‬ في ‬مسار ‬تعزيز ‬حقوق ‬الإنسان ‬بالمملكة    ماكرون يشكر جلالة الملك على دوره في الإفراج عن 4 فرنسيين محتجزين في بوركينا فاسو    في ‬سياق ‬الدينامية ‬الكبيرة ‬التي ‬تعرفها ‬العلاقات ‬الاستراتيجية المغربية الإسبانية    الخطوط الملكية المغربية تستعد لاستئناف الخط المباشر الدار البيضاء – بكين بتوقيع 16 اتفاقية    بعد تراجع تحصيل تلامذتنا في العلوم.. هل تحدث الصدمة التربوية؟        الصين: الخطوط الملكية المغربية تستعد لاستئناف الخط المباشر الدار البيضاء – بكين بتوقيع 16 اتفاقية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    في اليوم العالمي للغة الضاد…مقاربة اللغة العربية من زاوية جيو سياسية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات ب"الأخضر"    نسج الزرابي فن صامد في المغرب رغم ضعف مداخيل الصانعات    موتسيبي يقوم بزيارة الدول المستضيفة ل "الشان"    من هو نَسيم كليبات الذي تم تَسليمه للسُلطات الإسرائيلية؟    المغرب وألمانيا يوقعان شراكة للتزويد بالماء الشروب المتكيف مع المناخ    رامي إمام يطمئن الجمهور عن صحة عادل إمام ويكشف شرطًا لعودة الزعيم إلى الشاشة    تركيا تدعو المجتمع الدولي لإزالة "هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب    بطولة فرنسا: ديمبيليه يقود باريس سان جرمان للفوز على موناكو والابتعاد في الصدارة    أكاديمية المملكة تشجع "محبة السينما" باستضافة الناقد إدريس شويكة    كأس الرابطة الانجليزية: ليفربول يواصل الدفاع عن لقبه ويتأهل لنصف النهاية    الأندية المشاركة في بطولة القسم الممتاز لكرة القدم النسوية تعلن استنكارها لقرار العصبة الوطنية وتأثيره السلبي على مسار البطولة        فريق مستقبل المرسى ينتزع فوزًا ثمينًا على حساب فريق شباب الجنوب بوجدور    شباب جمعية "أسوار فاس" يواصلون الإبهار بعروض مسرحية متنوعة بطنجة    تسجيل أول حالة إصابة خطيرة بإنفلونزا الطيور في أمريكا    لماذا أرفض الرأسمالية ؟    كلمة .. شعبنا آيل للانقراض    معاناة متجددة لمرضى السل بفعل انقطاع الدواء باستمرار    وداعا أمي جديد الشاعر والروائي محمد بوفتاس    حفل توقيع "أبريذ غار أوجنا" يبرز قضايا التعايش والتسامح    جمعيات تعبر عن رفضها لمضامين مشروع قانون التراث الثقافي    اختيار الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" بالقائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال عبد الناصر يصبح الحاكم الفعلي لمصر بعد عزل الجنرال محمد نجيب
بعد تهميش الضباط المنتمين لليسار والتحالف مع الإخوان المسلمين
نشر في المساء يوم 13 - 01 - 2011

كتاب «صدام الأصوليات» للمفكر البريطاني المعاصر ذي الأصل الباكستاني طارق علي، هو عبارة عن رحلة تاريخية تحليلية مادية تنقلنا إلى أعماق العلاقة بين الشرق والغرب،
وتتوقف عند أسباب نشأة الإمبراطوريات الحديثة واستراتيجياتها الإيديولوجية والاقتصادية. ينظر صاحبه في وجود الديانات السماوية ودورها في تعبئة الناس، وفي ظهور الطوائف والأصوليات والجهاد والحملات الصليبية، ينظر في الوهابية والأندلس والاستشراق والإمبراطوريات الغربية قبل أن يتطرق للإمبراطورية الأمريكية والثورة الشيوعية و«الحرب الباردة» والحداثة والكيان الصهيوني ونكبة الفلسطينيين و«العدوان الثلاثي» والثورة الإيرانية وحروب الخليج وأحداث 11 شتنبر 2001.
وبعد ذلك بستة أشهر، سيطر «الضباط الأحرار» على أمور البلاد. ومن مجموع اللواءات والعقداء الرئيسيين الثمانية عشر الذين قاموا ب«الثورة العسكرية»، أربعة كانوا من «الإخوان المسلمين» (السادات، عامر، حسين، مهنّا) وثلاثة من الماركسيين (خالد محيي الدين، رفعت، صدّيق) والباقون من الوطنيين. أما مشوار جمال عبد الناصر الشخصي فكان انتقائياً. بدأ مع حزب «الوفد»، ثم انتقل إلى «جماعة الإخوان المسلمين» ليصير في النهاية متعاطفاً مع اليسار. وما كان يميز هؤلاء الضباط-المثقفين هو انتماؤهم إلى الطبقة المتوسطة/ البورجوازية الصغيرة. كانوا يقرؤون كثيراً ويناقشون فيما بينهم ويقيمون أقساماً دراسية لضباط بنفس القناعات الفكرية. وبصفته مُدرّساً لمادة التاريخ في الكلية الحربية، كان لجمال عبد الناصر تأثير مباشر على المجنَّدين الجُدد، حيث كان يحاضر الطلبة العسكريين حول انتصارات العرب السابقة، وحول النور الذي كان يسطع من علوم وحضارة الإسلام المبكر في وقت كانت فيه أوروبا غارقة في ما يشبه الظلمة. كان يروي لهم كيف أنه ببزوغ فجر «النهضة» الأوروبية، سلم الإسلام إرثه للأوروبيين الغربيين وهو يغرق في سبات ويَضمر. وبعد انتصار «الضباط الأحرار» في 1952م بقليل، عُزل زعيمُهم والجنرال الوحيد المشارك في الانقلاب محمد نجيب، وأصبح جمال عبد الناصر هو حاكم مصر الفعلي. تم هذا بتهميش اليسار العلماني وبلوغ تحالف عملي مع «الإخوان المسلمين». ومن الحجج المرفوعة ضد اليسار، رفضُه لتأييد حرب 1948م ضد إسرائيل.
كان الشيوعيون المصريون على الدوام جماعة نكِسة. فقد وُجدت داخلها ثلاث مجموعات مُتنافِسة منذ عشرينيات القرن الميلادي العشرين. وكان تأثير الشيوعيين المصريين في الحركة الجماهيرية دائماً يفوق قوتهم الحقيقية. صحيح أن أهمية الشيوعيين تكمن في الروابط التي يعقدونها مع أجهزة الدولة في موسكو وبيكين، غير أن ضعفهم ميدانياً هو الذي يفسر جزئياً السهولة التي استطاع بها جمال عبد الناصر تنحيتهم، فور وصوله إلى السلطة، لصالح مناورات مشتركة مع «الإخوان المسلمين». وبالنظر إلى الوراء، ما يثير الانتباه هو كبح الأخيرين لأنفسهم، حيث أنهم لم يستعملوا الشارع لمحاولة الوصول إلى السلطة. فهم تعاونوا مع «الضباط الأحرار» عن طواعية، على الأقل إلى غاية فبراير 1954م.
وبعد أن بين لعالم الحرب الباردة المنقسم بأنه لا يتعاطف مع الشيوعيين، تنكّرَ جمال عبد الناصر ل«الإخوان المسلمين». الإسلاميون هم الذين تسببوا في النزاع بإصرارهم على أن تسيَر مصر الجديدة بتوافق مع الشريعة الإسلامية وتكون كل القوانين العلمانية تابعة لها. والضباط، الذين سعدوا حتى ذلك الوقت باستعمال أسلوب الإسلاميين في الخطابة وعززوا سمعة جامعة الأزهر السنية العريقة بوَقف مزيدٍ من المال عليها، أحبطوا هذا الطلب. وكان ردّهم نموذجياً. حُلت «جماعة الإخوان المسلمين». وبعد سبعة أشهر، قام أحد القتلة من «الجماعة» بمحاولة اغتيال انتقامية. لم تصب الرصاصة عبدَ الناصر، واعتقِل القاتل المزعوم وخمسة من شركائه فحوكموا وأعدِموا. كما أودِع الآلافُ من أعضاء المنظمة السجنَ. وقد قيل إن «جماعة الإخوان المسلمين» عادت لتتآمر مع البريطانيين مرة أخرى لعزل زعيم مُعادٍ للمصالح الإمبريالية.
حدوثُ الأمور على هذا النحو أدى إلى تقرب النظام واليسار من بعضهما البعض، ولو أن عبد الناصر وزملاءه فضلوا مرة أخرى إدماج المثقفين الراديكاليين داخل بنيات السلطة. لم يكن التسامح مع المنظمات المنافِسة وارداً. كل هذه التطورات حدثت في سياق دولي مشحون جداً. ولم يكن النظام الجديد أكثر استعداداً من سابقه للدخول في تحالف أمنيّ مع الغرب. كان المناخ العام ينصح ب«الحياد الإيجابي» في الحرب الباردة، وهو خط حِجاجي بلوره الوزير الأول الهندي جواهر لال نهرو، الذي زار مصر مراراً خلال الفترة الممتدة من 1952م إلى 1956م، وأعلن دعمه لحملة عبد الناصر ضد استمرار الاحتلال البريطاني لمنطقة قناة السويس.
في مؤتمر باندونغْ للدول الإفريقية والآسيوية حديثة الاستقلال، المنعقد سنة 1955م، أعجب عبد الناصر بالتأييد الذي قدمته له الصين والهند وصُدم بالسياسيين الخنوعين الموالين للغرب الذين كانوا يمثلون باكستان والفليبين وتايلاند. وخلال رحلة العودة إلى مصر، توقف عبد الناصر في نيودلهي وكراتشي وكابول. كان معجباً مرة أخرى بنهرو. وشهوراً بعد ذلك، كان لقاؤه الأول مع الزعيم اليوغوسلافي يوسف (جوزيف) بروزْ تيتو، الذي عزز حُجَج نهرو. فقد أقنع تيتو ونهرو عبد الناصر بالبقاء خارج قطبي الحرب الباردة والضغط في الوقت نفسه على البريطانيين للانسحاب من مصر إلى الأبد.
رأت القيادة المصرية بأن العالم الإسلامي منقسم انقساماً تامّاً. في 1956م، كانت أغلب حكومات العالم الإسلامي أذناباً لواشنطن ولندن: تركيا وباكستان وإيران والعربية السعودية والأردن والعراق. سوريا كانت شبه ذنب. أندونيسيا ومصر فقط هما اللتان كانتا مستعدتين لنهج سبيل مستقل، وسوف تعاقبان عقاباً شديداً على تحدّيهما.
العقاب الأول لمصر كان قد تم إعداده. لشهور عدة، كانت الحكومة المصرية تتفاوض حول تعاقد مع الولايات المتحدة الأمريكية و«البنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية» لتمويل السد العالي على نهر النيل، عند أسوان. تم التوصل إلى اتفاق وكان العرض فوق الطاولة، لكن فجأة سحبت الولايات المتحدة الأمريكية عرضها. كانت منزعجة مما اعتبرته استعراضاً للعضلات من طرف عبد الناصر على الساحة الدولية. وقد ادعت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن حليفاتها الوفيات، باكستان وإيران وتركيا، قد احتججن بقوة على منح «أكبر مشروع مساعدة أمريكي» لدولة «ليست مُحايدة فحسب، بل معادية عملياً للغرب أحياناً». شعرت الدول-الأذناب الثلاث بأنهن أولى بتلقي تلك الاعتمادات المالية.



د. إسماعيل العثماني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.