ما زالت الولاياتالمتحدةالأمريكية تعيش على وقع المفاجأة التي أحدثها كتاب صدر هذه السنة يحمل عنوان «حقيقة ما حدث... داخل البيت الأبيض في عهد بوش وثقافة الخداع في واشنطن». وليس مؤلف الكتاب سوى أحد رجال بوش السابقين، بل الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض لمدة قاربت الثلاث سنوات، إنه سكوت ماكليلان الذي يكشف في كتابه هذا « كيف ضلل جورج بوش العالم وزور تقارير مخابراتية لكي يغزو العراق». في تكساس خلال التسعينيات، كان الأمر مختلفا. كان هناك حاكم جمهوري في تكساس يعمل جنبا إلى جنب مع حاكم ملازم ديموقراطي ومع ناطق ديمقراطي لكي يخرج قوانين وسياسات تستجيب لحاجيات الغالبية العظمى من مواطني ولايته سواء كانوا ليبراليين أو محافظين. إنه جوروج والكر بوش، الذي وبمجرد ما تم انتخابه حاكما بدأ بالتنسيق مع الزعماء الديمقراطيين بمن فيهم الحاكم الملازم بولوك المعروف بقوته، على أمل أن يحكم الولاية بروح تمثل الحزبين الجمهوري والديمقراطي. في تكساس يتم انتخاب الحاكم الملازم والناطق كل على حدة، كما أن قانون ولاية تكساس يعطي للحاكم الملازم قوة كبيرة بصفته رئيس مجلس شيوخ الولاية، فهو يتحكم في سير مشاريع القوانين التشريعية وله تأثير على ما إذا كانت القوانين ستمرر أم لا. لمثل هذه الأسباب عرف بوش أن بناء علاقة وطيدة مع بولوك ومع الناطقة الديمقراطي بيت ليني سيمكنه من تمرير أولوياته. وقد كان الثلاثة يتحدثون مع بعض باستمرار ويلتقون على الأقل مرة في الأسبوع. وفي جميع الأحوال فإن بوش كون علاقة متينة مع بولوك وليني أفضل من العلاقة التي ربطها معهما سابقه الديموقراطي آن ريتشاردز. وأقام بوش علاقات طيبة مع قادة ديمقراطيين آخرين أيضا، وعندما حان وقت الانتخابات لم يوجه بوش حملته ضد الزعماء الديمقراطيين الذين عملوا معه وساعدوه على إنجاح أولوياته. سياسة بوش غير المتحزبة كحاكم لولاية تكساس أعطت ثمارا جيدة، فخلال فترة حكمه الأولى، تمكن من تمرير أكبر مراجعة لقانون التعليم داخل الولاية، ودعم قوانين الأحداث الجانحين، وأدخل الكثير من الإصلاحات على النصوص القانونية وعلى الحياة الاجتماعية. مبادئ بوش كزعيم ونجاحه في التعاون مع خصومه وأجندته المحافظة الجيدة كل هذه أشياء بعثت أملا كبيرا في نفسي وفي نفس من سيصبحون لاحقا زملائي داخل فريق بوش الرئاسي. ولهذا كنت أنا هناك، أغتنم فرصة لا تتاح في العمر إلا مرة واحدة، لأكون جزءا صغيرا من شيء كبير، قد كنت أومن أن السياسة يمكن أن تكون أفضل بكثير من السياسة التي نعرفها، لهذا فلا عجب إن شعرت في الآن نفسه بالإثارة وأيضا بالتواضع لأنه تم قبولي لكي أعمل مع فريق بوش. كانت والدتي مثالا تحتذي به النساء في مجال السياسة، في عام 1972 عندما كنت في سن الرابعة، تم انتخاب والدتي في المجلس التعليمي بأوستن، بعدها بسنوات قليلة أصبحت أول امرأة رئيسة لهذا المجلس، وعندما شارفت على نهاية السلك الثانوي أصبحت والدتي أول امرأة عمدة لأوستن وفازت بولاية انتخابية مدتها سنتان لثلاث مرات متتالية. ما زلت أذكر أنني ذات يوم ذهبت لأحضر مؤتمر عمداء أمريكا في أطلنطا، جورجيا، مع والدتي، وأخواي التوأم الأكبر مني، وذلك خلال ولايتها الأولى في أواخر السبعينيات، وكانت دائما تنظم أنشطة للأطفال على هامش اجتماعات المؤتمر التي يشارك فيها عمداء المدن. كنت واقفا في ركن ما، مرتديا قميصا عليه شعار مؤتمر العمداء، عندما اقترب مني طالب جامعي ورمقني بنظرة من أعلى وقال لي: «إذن والدك هو عمدة أوستن» فقلت له: «لا، بل هي والدتي». فوجئ الشاب وصرخ مخاطبا أصدقاءه «اسمعوا يا شباب، أم هذا الطفل هي عمدة أوستن». احمرت وجنتاي من الخجل من هذا الانتباه المفاجئ إلي، لكن ذلك لم يمنعني من الاستمرار في تجاذب أطراف الحديث معهم حول بطلة من أبطالي، هي أمي. لقد كان درسا سياسيا مبكرا تلقيته وأنا طفل صغير لا يفكر في معنى أن يكون عمدة مدينته رجلا أو امرأة، وكيف أنه لم يكن من المعتاد في تلك الأيام أن تكون امرأة زعيمة سياسية. طوال الوقت الذي شغلت فيه والدتي منصب العمدة كانت سيدة عازبة، كان الوضع يبدو لي طبيعيا لكني الآن فقط أدركت كم كانت عظيمة والدتي وما زالت. تطلق والداي عندما كنت في سن العاشرة، حينها لم أعرف لماذا. أبي الذي كان رجل قانون محلف كان رجلا جيدا بالنسبة لي في سنوات البراءة تلك، لكننا افترقنا عن بعض مع مرور الوقت. كنت أنا وإخوتي محظوظين بأننا تربينا غير بعيد عن أجدادنا الأربعة، لأمي ولأبي، وتأثرنا بهم تأثرا إيجابيا مع مرور السنين. جدتي ماكليلان التي كانت تتطوع لخدمة الكنيسة وكانت تعلم الأطفال الإسبانية في سان أنطونيو كانت تدللنا وتسمح لنا باللهو والاستمتاع. وقد ربت أربع بنات ووالدي بينما كان زوجها، جدي، يشتغل مهندس بترول، حيث كان من بين أوائل المتخرجين من جامعة تكساس في هذا المجال. جدي كيتون، لأمي، كان أستاذ قانون، بينما كانت جدتي، زوجته، هي القانون، هكذا كانت تحب أمي أن تقول. انتقلت جدتي لأمي في بداية الثلاثينيات من جامعة جورجيا، حيث ولدت، إلى جامعة تكساس لتلتحق بكلية الحقوق، والتحقت بالقسم الذي كان يدرس فيه جدي، كان أستاذا شابا حديث التخرج، فأحبا بعضهما وتزوجا، ولم تنه جدتي دراستها في الجامعة. كانت جدتي لأمي تهتم بي وبإخوتي وتسهر على تعليمنا الأخلاق وحسن التصرف. جدي لأمي، بيج كيتون، كان هو العميد الأسطوري لكلية الحقوق بجامعة تكساس، وذا سمعة طيبة. اقترن بجدتي في الرابع من مارس أو كما كان جدي يحب أن يقول: «يومان بعد أن حصلت تكساس على استقلالها فقدت أنا استقلاليتي» (تحتفل تكساس باستقلالها يوم الثاني من مارس كل سنة). وفي عيد زواجهما، عوض أن يتحدث عن كم سنة قضيا مع بعضهما كان يقول: «لقد لعبنا ثلاثا وستين جولة». ترعرع جدي كيتون شمال شرقي تكساس في مزرعة صغيرة، بعد أن عمل وهو في سن صغيرة في جني القطن، أقسم أن يحصل مستقبلا على مهنة مكتبية، وأن يعمل وهو جالس. وبالفعل عندما كبر حصل على المهنة التي يريد، أصبح أستاذا محاضرا في كلية الحقوق في تكساس، وبقي يدرس في الجامعة إلى سن السادسة والثمانين، شغل منصب عميد الكلية مدة خمس وعشرين سنة، وجعل منها واحدة من أفضل كليات الولاياتالمتحدةالأمريكية في دراسة القانون، وأصبح واحدا من أشهر خبراء القانون في البلاد. عندما كنت يافعا، كانت السياسة هي أكثر شيء نناقشه ونحن ملتفون حول مائدة الطعام، أكثر حتى من الرياضة والفرق التي نشجع، تعلمت أن السياسة هي طريقة لكي نحدث تغييرا إيجابيا في حياة الناس. وقد كان جدي يقول دائما: «ليس مهما أن تصنع الدولار بل المهم أن تصنع الاختلاف»، في إشارة إلى ما الذي يهم أكثر في الحياة. كوني ترعرعت تحت أضواء السياسة المحلية في أوستن كانت له إيجابياته وسلبياته، فوالدتي التي شغلت منصب العمدة كانت تحاول أن تحافظ على مجرى الأمور طبيعيا، وكانت تذكرنا دائما: «ما يفعله أصدقاؤكم شيء، وما تفعلونه أنتم شيء آخر تماما، لأن ما تفعلونه قد تجدونه منشورا على الصفحة الأولى لإحدى الجرائد».