الرجل العبقري الذي اخترع «الطروطوار» من أجل أن يمشي فوقه الناس، أكيد أنه يتقلب اليوم في قبره بعد أن اكتشف أن اختراعه لم ينجح كما كان متوقعا، وأن ملايين الناس لا زالوا يفضلون المشي جنبا إلى جنب مع السيارات عوض المشي فوق الأرصفة. وقبل سنوات، رأيت رجلا أجنبيا يسوق سيارته وهو يخرج رأسه من النافذة ويصرخ: لوطروطوار.. لوطروطوار.. كأي مواطن صالح، وساذج.. أحسست وقتها بغصة في الحلق من صراخ ذلك الفرنسي المتعجرف وهو يسوق سيارته في مدينة مغربية ويصرخ في الناس طالبا منهم المشي في الرصيف والابتعاد عن السيارات. شعرت برغبة في إمساكه من أذنه وإخراجه من السيارة لكي أطلب منه أن يريني أين هو الطروطوار حتى نسير فوقه، فهو إما محتل من طرف السيارات أو محفّر أو فوقه براميل القمامة أو أكوام الأتربة أو به أحواض مائية أيام الشتاء. اليوم، بعد كل تلك السنوات، أحس برغبة جامحة في أن ألتقي ذلك الفرنسي وأشد على يده بحرارة وأن أؤسس رفقته حزبا في المغرب نسميه «حزب الرصيف»، وتكون مهمته الأساسية هي إقناع المغاربة بأن الرصيف معمول بالأساس للراجلين، على أن يتم حل الحزب تلقائيا بمجرد أن نصل إلى الهدف، وهو أن يقتنع 90 في المائة من المغاربة بالمشي على الرصيف عوض المشي بين السيارات في وسط الطريق. لم أعد اليوم مواطنا غرا يشعر بالإهانة لأن فرنسيا يصرخ فينا طالبا منا المشي فوق الرصيف، بل ربما أحس بأن التدخل الأجنبي في شؤوننا في هذا المجال مطلوب ومحبذ، ولا أفهم إطلاقا كيف أن الدولة المغربية التي باعت للشركات الفرنسية الكثير من القطاعات الحيوية والاقتصادية، بما فيها قطاعات النقل والماء والكهرباء والنظافة والاتصالات، لم تبعهم الحقوقَ الحصرية من أجل تأسيس حزب أجنبي في المغرب ينقل التجربتين الأوربية والأمريكية في مجال توعية الناس بأهمية المشي على الأرصفة. في الماضي، كنت أعتقد أن الناس يتركون الأرصفة ويمشون في طريق السيارات لأن الأرصفة إما محتلة أو غير صالحة للمشي، لكن مع مرور الوقت اكتشفت أن الناس مصابون بأنفلونزا غريبة اسمها «أنفلونزا كراهية الرصيف»، وأن ترك الأرصفة والمشي بين السيارات هواية مغربية بامتياز، فالناس يتركون أرصفة عريضة وفارغة ويفضلون المشي في طريق السيارات، وإذا احتج سائق سيارة وأخرج رأسه من السيارة يطلب منهم المشي فوق الرصيف يشتمونه بسرعة بتلك العبارة الشهيرة: سير آلحْم... وعموما، فإن هذه الشتيمة ليست ظالمة مائة في المائة، لأن كثيرا من أصحاب السيارات الغاضبين من مشي الناس خارج الرصيف هم بدورهم، بمجرد أن ينزلوا من سياراتهم، يقومون بالشيء نفسه ويمشون راجلين في طريق السيارات. كما أن نصف سائقي البلاد يمارسون حمقا غريبا على الطرقات ويحتاجون إلى علاج نفسي عاجل، وينطبق عليهم مثال «حوْلي بقْرونو سايق الرّونو».. هناك اليوم دور كبير يمكن أن تقوم به الأحزاب المغربية في هذا المجال، مجال توعية الناس بأهمية المشي على الرصيف، وهو دور شديد الأهمية لأسباب كثيرة. فالأحزاب فشلت في كل شيء، فشلت كمعارضة وكأغلبية، وهي تعرف جيدا أنها لم ولن تحقق أيا من أهدافها الكبيرة التي سعت من أجلها على مر العقود الماضية، مثل التنمية الاقتصادية أو التغييرات الدستورية، لذلك لا بأس أن تغير خططها الاستراتيجية الكبرى وتجعل هدفها واحدا وهو إقناع الناس بالمشي على الرصيف. فالأحزاب المغربية تعرف جيدا قيمة وأهمية المشي أو الوقوف على «الطروطوار»، وهي التي تقف فيه باستمرار محاولة إبراز مفاتنها للمخزن لكي يجود عليها ببعض المناصب الحكومية.