لم تمنع الدوريات الأمنية المكثفة التي كانت تنفذ حملات تمشيطية في محيط مختلف الفنادق والعلب الليلية والخمارات المنتشرة كالفطر بالقرب من مقر ولاية أمن القنيطرة ولا حالة الاستنفار المعلَنة خلال ليلة رأس السنة من وقوع العديد من المشاجرات والمعارك، التي غالبا ما كان يجد أصحابها أنفسَهم فجأة معتقَلين داخل سيارات الأمن، بعد أن يتم إيقافهم. كانت عقارب الساعة على وشك إنهاء السنة الماضية والإعلان عن الجديدة، حينما بدأت أفواج من الشباب تتقاطر على وسط المدينة، لإحياء ليلة رأس السنة، وكلها «حيوية» و«نشاط» لقضاء ليلة صاخبة تحت أسقف حانات «تنافست» في جلب الحسناوات من بائعات الهوى وفي جلب فرق موسيقية محلية معروفة، لشاصطياد» أكبر عدد ممكن من الزبناء، في ليلة لا تضاهيها أي ليلة من حيث حجم المداخيل. قبل ذلك بسويعات قليلة، عرفت الأسواق الممتازة وبعض المتاجر المختصة في بيع الخمور إقبالا منقطع النظير: مدمنون من مختلف الأعمار، بينهم إناث أيضا، اصطفوا في طوابير طويلة قبالة الباب الرئيسي لأحد المراكز التجارية لاقتناء الجعة والنبيذ قبل نفاذ المخزون، كان رجال الشرطة حينها في عين المكان، منهمكين في الحفاظ على نظام الصف المؤدي إلى الطابق السفلي، حيث تعرض جميع أشكال وأنواع الخمور وباقي المسكرات، والسهر على أمن خمارة المركز المذكور، التي داست القانون المنظم لبيع المشروبات الكحولية أمام أعين حُماته، لتفتح أبوابها جهارا للمسلمين ول»غير المسلمين»، وهو ما أثار امتعاض العديد من المارة الذين آلمهم مشهد انخراط عناصر أمنية في مهام تسيء إلى الجهاز الذي يعملون تحت إمرته، بعد أن حولتهم «الاختصاصات الجديدة» إلى ما يشبه «فيدورات» بدوا على أهبة الاستعداد لردع كل مثير للشغب. كانت سيارات الأمن، ومعها فرقة الحرس الترابي، التابعة للمحقات الإدارية، معززة بفرقة الصقور ودراجي الأمن العمومي، وكذا رجال الشرطة القضائية، حريصة على أن تجوب مختلف شوارع المدينة وعلى القيام بمسح ميداني لكل النقط السوداء، قبل أن تعود مجددا إلى حط الرحال أمام الملاهي المحتضنة لاحتفالات رأس السنة، والتي غصت عن آخرها بمرتاديها، رغم أنها عمدت إلى مضاعفة الثمن، حتى إن بعضها ضاق بهم، لعدم وجود أماكن شاغرة، وهو ما حول محيطها إلى فضاء للعربدة وحلبات للملاكمة، أوقعت جنديا ومهاجرا مغربيا وآخرين في قبضة الشرطة. قبالة ساحة النافورة، التي حولها الحقوقيون والسياسيون والجمعويون والنقابيون إلى فضاء للاحتجاج السلمي على الأوضاع الاجتماعية وعلى خروقات المسؤولين والمنتخَبين، اختار رجل في الخمسينات من عمره، قوي البنية، أن «يحتفل» بالعام الجديد بطريقته الخاصة، وهو في حالة سكر حتى الثمالة، فشرع في سب الملة والدين ونعت رجال الأمن بأقبح النعوت.. وأبدى إصرارا عجيبا على احتلال شارع محمد الخامس، رغم محاولة رفيقه ثنيَه عن ذلك، وما هي إلا لحظات حتى وجد نفسه محاطا بعناصر الشرطة، لكنْ سرعان ما انفضّت من حوله، كما لو أنها صُعِقت بالكهرباء، مباشرة بعد حلول فؤاد بلحضري، والي الأمن، إلى عين المكان، حيث تبيَّن أنه من معارف الوالي، الذي كلف أحد المسؤولين الأمنيين بتوفير سيارة أجرة صغيرة لنقل «المخمور» إلى منزله، والحرص على أن يصل إليه سالما، أمام استغراب جميع من كانوا يرشفون فناجين القهوة وكؤوس الشاي في مقهى «تاغازوت». أقفلت جل المقاهي التي تعمل وفق نظام «جور إنوي» أبوابها في وقت مبكر، بتعليمات من السلطات، وعاشت معظم الأحياء في سكون، فأغلبية المواطنين فضّلوا ولوج منازلهم باكرا والاكتفاء بمشاهدة ما «جادت» به القنوات الفضائية عليهم في هذه الليلة، في حين مرت في أجواء خاصة بالنسبة إلى العديد من الأسر التي تهافتت على محلات بيع قطع الحلوى لإحياء احتفالات رأس السنة في حدود إمكاناتها.