-1 قراءة في تقريري المركز الأوربي للدراسات الاستراتيجية والأمنية ( 2008-2005 ECISC ) حول تحول جبهة البوليساريو إلى منظمة إرهابية ينطلق تقرير 2005 من سؤالين محوريين، يرتبطان بطبيعة التحول الذي تعيشه جبهة البوليساريو: السؤال الأول: هل البوليساريو مخترقة من قبل التطرف السلفي؟ السؤال الثاني: هل يمكن أن تنحرف جبهة البوليساريو نحو الإرهاب؟ جوابا عن السؤال الأول، ينطلق التقرير من مجموعة من المعطيات الواقعية التي تؤكد جميعها أن جبهة البوليساريو مخترقة من قبل التطرف السلفي، فخلال السنوات الأخيرة أثار عدة ملاحظين الانحراف الذي تعرفه البوليساريو نحو التطرف، وخصوصا لدى الشباب، وذلك ضمن ما يعيشه السياق المغاربي والإفريقي، وبشكل خاص في منطقة الساحل والصحراء. وفي هذا الصدد، يعتمد التقرير على رأي قدماء قادة البوليساريو الذين قدموا شهادات دالة تثبت، بالدليل الواضح، أن جبهة البوليساريو مخترقة بقوة من قبل التطرف السلفي، الذي ينتشر في منطقة الساحل والصحراء. يذهب حماتي رباني، وزير العدل السابق لدى الجبهة الانفصالية، في اتجاه أن البوليساريو تعيش وضعية فشل، أغلب قدماء محاربيها غادروا نحو الأعمال في موريتانيا، كما أن العديد من قادتها التاريخيين غادروا المخيمات، ولم يبق سوى عدد قليل من الشباب. ويتساءل رباني: ماذا ستقدم إليهم القيادة؟ ما هو المستقبل الذي ستفتحه أمامهم؟ ويجيب حاسما: لا شيء، الحركة في مأزق. ويضيف رباني موضحا: البعض منهم، وكي لا يدخل في حالة من اليأس، يعود إلى التدين، فهو لا ينتظر شيئا من قادة البوليساريو، لذلك فالدين سيعوض الفراغ، الذي خلفته الإيديولوجية الرجعية لقادة البوليساريو. لكن مصطفى بوه، الملقب ب«البرزاني»، عضو المكتب السياسي السابق في جبهة البوليساريو، كان أكثر عمقا في توضيحه لطبيعة التدين الذي أصبح يخترق الجبهة الانفصالية، والشباب فيها بشكل خاص. بالنسبة إليه، كل شيء بدأ خلال سنوات الثمانينيات حينما قدم عدد من الطلبة من مخيمات تندوف لولوج جامعات الجزائر العاصمة وجامعات أخرى في الشمال الجزائري. حينذاك، كان لقاؤهم بأعضاء من الجبهة الإسلامية للإنقاذ (FIS)، التي كانت تمسك بمكان الصدارة في الجامعات خلال تلك المرحلة، ولذلك فقد أصابتهم عدوى التطرف وعادوا لينشطوا الإيديولوجية السلفية المتطرفة. ويخلص تقرير المركز الأوربي للدراسات الاستراتيجية والأمنية في الأخير، بعد اعتماد شهادات حية من الميدان، إلى استنتاج في غاية الأهمية: لقد اخترق التطرف السلفي جبهة البوليساريو، خصوصا وأنه قد تسربت إلى الجبهة عناصر من غير الصحراويين، من أفارقة الساحل والصحراء، تم تجنيدهم من قبل الإيديولوجية السلفية المتطرفة. أما بخصوص الإجابة التي قدمها التقرير عن سؤال: هل يمكن أن تنحرف جبهة البوليساريو نحو الإرهاب؟ فيقدم التقرير مؤشرات واضحة حول المخاطر التي تشكلها جبهة البوليساريو في علاقتها بالإرهاب الذي يضرب المنطقة الصحراوية ويحولها -حسب التقرير- إلى أفغانستان جديدة، تهدد المنطقة المغاربية كما تهدد أوربا، حيث تبحث القاعدة عن موقع لتوجيه عملياتها وإيديولوجيتها نحو إفريقيا، من أجل ضرب استقرار المغرب العربي وأوربا. يعتمد تقرير المركز الأوربي على مجموعة من الوقائع، التي تؤكد أطروحته، يمكن التركيز فيها على الوقائع التالية: - في بداية 2001، هددت البوليساريو باعتراض رالي (باريس-دكار)، إذا مر بالصحراء الغربية. - في الرابع من يونيو 2005 هاجم مسلحون، يتشكلون من 150 مسلحا، ثكنة «لمغيطي» في أقصى شمال شرق موريتانيا، وهو الهجوم الذي خلف 15 قتيلا و17 جريحا، والذي نفذته «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» تحت قيادة مختار بلمختار، هذا الأخير الذي كان قد استقر شمال مالي والذي تخصص في أعمال تهريب الغازوال والسجائر والسلاح، وقد كان يسير كتيبة صغيرة من المقاتلين (الملثمون). وحسب شهود عيان، فإن عربات البوليساريو قد شاركت في العملية الهجومية، كما أن بعض المقتحمين للثكنة كانوا يتكلمون اللهجة الحسانية. ويتساءل التقرير: هل كانت للبوليساريو يد في هذا الهجوم؟ قبل أن يجيب: الكثير من محدثينا، والذين كانوا ضمن قدماء قادة الحركة، لا يستثنون هذا الافتراض! ويؤكد تقرير المركز الأوربي لسنة 2008 هذا الانحراف الذي تعيشه جبهة البوليساريو نحو الإرهاب، وذلك باعتماد المعطيات الميدانية دائما: - خلال دجنبر 2003، أوقفت مصالح الأمن الموريتاني بابا ولد محمد باخيلي، وهو أحد الأعضاء الحركيين في البوليساريو. هذا الأخير كان في طريقه إلى سرقة كمية كبيرة من المواد المتفجرة، الموجودة في مخازن الشركة الوطنية الموريتانية للصناعات المنجمية. لقد تم إيقاف عنصر البوليساريو هذا، وهو يحمل معه من المسروقات 153 قنينة من المواد سريعة الاشتعال، بالإضافة إلى ما يقارب 12 كلم من الأسلاك المستعملة في التفجير عن بعد. ويضيف تقرير المركز الأوربي: هذه الوسائل تستعمل عادة من طرف العصابات، وكذلك من طرف التنظيمات الإرهابية التي تسعى إلى صناعة المتفجرات. وهدف هذه العملية، بالنسبة إلى جبهة البوليساريو، قد يكون موجها إلى عمليات إرهابية، وقد يكون موجها إلى البيع للجماعات الإرهابية الموجودة في المنطقة. وفي كلتا الحالتين، فإن هذا المعطى الميداني يؤكد، بشكل واضح، أن البوليساريو تحولت إلى فاعل إرهابي نشيط، يمكن الاعتماد عليه بقوة من طرف الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وذلك لما يتمتع به مقاتلوه من خبرة ميدانية، يمكن أن تتحول، في أي وقت، إلى رصيد إرهابي مشترك بين تنظيم القاعدة وجبهة البوليساريو. وهذا، طبعا، ليس أمرا مستبعدا البتة، وذلك لأن سؤال انحراف البوليساريو نحو الإرهاب يمكن تفسيره من خلال التكامل الموجود بين الجبهة الانفصالية وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. فحركة تتجاوز الوطنية، كتنظيم القاعدة، في حاجة إلى دعم من طرف أعضاء فاعلين في البوليساريو، هؤلاء الذين يسعون أنفسهم إلى استغلال هذا الدعم للاستفادة من الدعم المادي، وكذلك من التجديد الإيديولوجي، لتحريك قاعدة قتالية خارت قواها، على مدى 35 سنة من الوعود الكاذبة. إن المطلع على تقريري المركز الأوربي للدراسات الاستراتيجية والأمنية (2005-2008) يخرج بخلاصة في غاية الأهمية، طالما تم إهمالها، وهي تحول منطقة الساحل والصحراء إلى أفغانستان جديدة، الأمر الذي يشكل تحديا جديدا للمجتمع الدولي، خصوصا وأن الجار الجنوبي لأوربا (المغرب) يواجه التهديد الإرهابي بشكل مباشر، نظرا إلى التجاذبات القوية الحاصلة بين جبهة البوليساريو وجناح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهذا ما يشكل خطرا على المدى القريب، بله المتوسط والبعيد، على الأمن والاستقرار في أوربا نفسها التي ستكون على مرمى حجر من تفجيرات القاعدة. وفي هذا الإطار، تحضر جبهة البوليساريو كفاعل إرهابي قوي، يمكنه في أية لحظة أن يهدد الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط ككل، بدعوى ضرب مصالح الدول المعارضة للأطروحة الانفصالية في الصحراء. وتحضرنا هنا عملية الاختطاف التي تعرض لها مواطنون أوربيون في المنطقة، وبشكل خاص الفرنسيون الذين قتلت رهينة منهم (جرمانو) من طرف الإرهابيين الذين عبروا عن هويتهم، من خلال الرسالة الواضحة لتي تم توجيهها إلى فرنسا، بوصفها معارضا قويا للأطروحة الانفصالية في الصحراء. يتبع... إدريس جنداري - كاتب وباحث أكاديمي مغربي