ناهز عدد المعتقلين على خلفية مسيرة سلمية نظمتها فيدرالية الجمعيات التنموية بمدينة تنغير، صباح أول أمس الأحد، 20 معتقلا ضمنهم طلاب وتلاميذ وعمال مياومون. وأفضت المواجهات، التي وقعت بين القوات العمومية وبين عدد من شبان المنطقة بالقرب من مقر العمالة، إلى إصابة ما يقرب من أربعة أفراد من قوات الأمن بجروح متفاوتة الخطورة، وتكسير زجاج بعض السيارات. ولم تسلم سيارة عامل الإقليم من أحجار بعض المتظاهرين الغاضبين بسبب «الانحباس» الاقتصادي الذي تعيشه المنطقة نتيجة منع البناء في مختلف دواويرها السكنية. واستعملت القوات العمومية لتفريق المحتجين، الذين طالبوا بإعادة النظر في «تطبيق» قانون التعمير بهذه الواحة، التي تقع بين مدينة ورزازات والرشيدية، قنابل مسيلة للدموع، إلى جانب «الهراوات»، فيما لجأ بعض المتظاهرين إلى رشق عناصر القوات العمومية بالحجارة. وشارك في هذه المسيرة، طبقا لمصادر جمعوية، ما يقرب من 20 متظاهرا قطعوا، مشيا على الأقدام، ما يقرب من كيلومترين، في اتجاه مقر عمالة تنغير، ل«تقديم الملف المطلبي الخاص بالساكنة المحلية إلى عامل الإقليم»، حسب ما ورد في بيان فيدرالية الجمعيات التنموية بالمنطقة، التي تضم في عضويتها أكثر من 70 إطارا جمعويا. لكن الأمور انفلتت في آخر لحظة، وتحول مركز المدينة، في حوالي ساعتين من الزمن، إلى ساحة مواجهات بين عدد من الشبان، ضمنهم طلاب وتلاميذ، وبين أفراد القوات العمومية. وتحدثت هذه الفيدرالية عما أسمته «تفاقم الضغط و الاضطهاد الممارسين على ساكنة الواحة في مجال التعمير بما في ذلك الاعتداء على حرمات البيوت الآمنة باسم تطبيق قوانين لا يجد الراغب في تطبيقها إلى ذلك سبيلا». وتطالب السلطات السكان بوثائق تثبت ملكيتهم للقطع الأرضية التي ينوون البناء فوقها، مما أدى إلى توقيف «الحركة الاقتصادية» في المنطقة التي لا زالت تعتمد في توزيع أراضيها بناء على «أعراف» الجماعات السلالية. وقال بيان فيدرالية الجمعيات التنموية بالمنطقة إن هذا الوضع أدى إلى «كساد غير مسبوق في أنشطة و مهن البناء وما يرتبط بها من حرف أخرى تمثل مصدر الرزق بالنسبة لمعظم العائلات، مما يمثل تهديدا خطيرا للاستقرار الاجتماعي بالمنطقة و ينبئ بما لا تحمد عقباه». وتبرر السلطات الإجراءات الجديدة التي أقرتها منذ أن تحولت بلدة تنغير إلى عمالة، في إطار التقسيم الترابي الأخير، بمحاربة البناء العشوائي وتطبيق قوانين التعمير. وفي مقابل تعقيدات قانون التعمير في منطقة لها خصوصياتها، تشير جمعيات المنطقة إلى أنه تم الإبقاء على «البناء العشوائي الحقيقي» في المدينة، متهمة ما أسمته «لوبيات الفساد العقاري وعصابات المتواطئين معها» بالإشراف عليه، «تحت مرأى ومسمع من الجميع على جنبات الشارع الرئيسي و في بطون الشعاب والأودية الممنوعة قانونا (بشكل يهدد أحياء بكاملها خلال الفيضانات) وغير بعيد عن مقر السلطة الإقليمية». وأوردت بأن ذلك يمثل «استفزازا صارخا لشعور المواطنين» الممنوعين من بناء بيوت تؤويهم على أملاكهم الخاصة، و«يعطي الانطباع على الاستهانة الفاحشة بالقوانين وعلى سيطرة منطق المال والنفوذ لا غير». وإلى جانب مشاكل التعمير، فإن الخدمات الصحية بالمنطقة تعاني من «تردٍّ» دفع فيدرالية جمعيات هذه المدينة إلى الحديث عن استمرار «مفهوم المغرب غير النافع المتعامل به في المنطقة». وتعاني المنطقة، علاوة على ذلك، من غياب البنيات التحتية اللازمة والضرورية للولوج إلى الخدمات الاجتماعية و الإدارية، بما في ذلك الطرق والقناطر والسدود ومؤسسات تأطير الشباب. وتتهم هذه الجمعيات السلطات المحلية بغض الطرف عن «بؤر الفساد والانحراف»، ومنها موقع «أقدار»، وهو حي معد للدعارة تعتبر هذه الجمعيات بأنه موقع «محروس بنظام الإتاوات»، ويمثل، في نظرها، «بؤرة لإفساد الأخلاق وتفشي الجريمة و انتشار المخدرات و الأمراض الخطيرة». وفي الوقت الذي تؤكد السلطات على الصعيد الوطني على ضرورة تشجيع العمل الجمعوي، فإن عددا من الجمعيات في المنطقة تشتكي من امتناع السلطات عن منحها وصولات الإيداع القانونية. ومن هذه الجمعيات التي لم يسمح لها بمزاولة نشاطها جمعية الواحة للتنمية بتودغى العليا وجمعية الوفاء للتنمية وجمعية أفانور للتنمية وجمعية صوت الشباب وجمعيات مدارس النجاح. كما تتهم هذه الجمعيات السلطات ب»احتجاز» مركب سوسيو ثقافي أقيم بشراكة بين بلدية تنغير ومؤسسة محمد الخامس للتضامن. وبالرغم من أنه تم الانتهاء من أشغال بناء هذا المركب، فإنه لا يزال يعاني من «الإغلاق». ولا تتوفر هذه المدينة على فرص كثيرة لتشغيل المئات من شبانها، مما يدفع عددا منهم إلى الهجرة نحو دول أوربا. لكن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها هذه البلدان أثرت في الحوالات الشهرية التي يرسلها الأبناء لعائلاتهم، مما زاد من حدة «انحباس» اقتصاد المنطقة. وما زالت العشرات من العائلات في الدواوير، التي تشكل المدار الحضري لهذه المدينة، تعاني من عدم ربط منازلها بالتيار الكهربائي، مما يدفعها إلى الإضاءة بقنينات الغاز والشموع. وطالبت هذه العائلات، في أكثر من مراسلة، السلطات الإدارية المحلية بحل المشكل، وظلت تتنقل بين المكتب الوطني للكهرباء ومقر العمالة دون جدوى. ولا زالت منازل أغلب هذه الدواوير المحسوبة على وسط المدينة تفتقر إلى قنوات الصرف الصحي وإلى الربط بالماء الصالح للشرب، فيما يتعرض واد تودغى، وهو الواد الذي تعرف به المنطقة، ل»اعتداء» يرجع إلى «أشغال عشوائية» و«تلويث مياه النهر». أما حوالي 100 عائلة، التي انهارت منازلها بدوار «أيت الحارث» بجماعة تودغى السفلى، على إثر الفيضانات التي ضربت المنطقة منذ سنة 2006، فإنها لم تستفد من السكن. ولم تتم بعد إعادة إسكان «دوار التابوت»، وهو دوار صفيحي بالقرب من مقر العمالة، في إطار عملية أشرف عليها الملك محمد السادس، منذ سنوات، وكان من المقرر أن يتم تفعيل هذا البرنامج منذ سنة 2007.