يبدو أن توابع عاصفة «ويكيليكس» الإعلامية قد ألقت بثقلها السياسي حتى في أمريكا اللاتينية، فقد هاجمت فنزويلا نيّة الولاياتالمتحدة تعيين سفير لديها كانت قد رفضته كاراكاس، قائلة إن تصريحات واشنطن حول الموضوع متماشية مع سياساتها العدوانية ضد فنزويلا. وكان الخلاف حول تعيين السفير لاري بالمر قد نشب في غشت الماضي عندما أعلن الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز أنه لن يسمح للسفير الجديد بتولي مهام منصبه في العاصمة الفنزويلية بسبب الانتقادات التي كان بالمر قد أدلى بها ضد الحكومة التي يترأسها تشافيز. وكان مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأمريكية، أرتورو فالنزويلا، قد أكد خلال الأسبوع الماضي أن مجلس الشيوخ بواشنطن سيصدق على تعيين بالمر سفيرا لدى فنزويلا في الأيام القليلة المقبلة. إلا أن الحكومة الفنزويلية رفضت ذلك، وقالت في بيان أصدرته بهذا المعنى: «إن الحكومة الفنزويلية ترفض التصريحات الأخيرة لأنها تؤكد المنحى الأمريكي التاريخي في التدخل في شؤون فنزويلا الداخلية والعدوان على الشعب الفنزويلي ومؤسساته ونظامه الديمقراطي». ومضى البيان يقول: «لقد أحطنا الحكومة الأمريكية علما في مناسبات متعددة بأنه سيكون من المستحيل علينا قبول تعيين بالمر نظرا إلى خطورة المواقف التي عبر عنها». وأضاف أن «إصرار الولاياتالمتحدة على تعيين بالمر يرقى إلى استفزاز جديد ونموذج لنفاق النخبة التي تحكم الولاياتالمتحدة» وكان بالمر قد أثار غضب إدارة الرئيس تشافيز بقوله -أثناء جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ- إن معنويات الجيش الفنزويلي متدنية، وإن ثمة علاقات واضحة تربط ما بين الحكومة الفنزويلية ومتمردي حركة (فارك) اليسارية في كولومبيا المجاورة. وفي معرض هجومه اللاذع على السياسات الأمريكية، والذي جاء ضمن خطاب متلفز ألقاه في وقت لاحق من يوم السبت الماضي، قال الرئيس الفنزويلي إن (مسؤول الخارجية الأمريكية) فالنزويلا «يعتقد أنه ملك أمريكا اللاتينية»، وإن البرقيات الدبلوماسية السرية التي نشرها موقع «ويكيليكس» قد كشقت النقاب عن نوايا الولاياتالمتحدة التآمرية في كل بقاع الأرض. وقال الرئيس تشافيز في خطابه: «كلما تنظرون إلى سفير أمريكي ترون جاسوسا أو متآمرا، هو وكل العاملين معه. لقد أهان بالمر فنزويلا وجنرالات الجيش الفنزويلي والحكومة الفنزويلية والدستور الفنزويلي. كيف يمكنه أن يصبح سفيرا؟ لقد كشف عدم أهليته للمنصب بنفسه». وأضاف مخاطبا وزير خارجيته نيكولاس مادورو: «إذا وصل (بالمر) إلى مطار مايكويتيا (مطار كاراكاس الدولي)، ألق يا نيكولاس عليه القبض، ثم اشتر له فنجان قهوة على حسابي، ومن ثم باي باي. لن يسمح له بدخول البلاد». وكان البرلمان الفنزويلي صوت، مؤخرا، لصالح مشروع قانون يمنح الرئيس هوغو تشافيز صلاحيات استثنائية لمدة 18 شهرا عوضا عن السنة الواحدة التي كان قد طلبها أصلا. ويقول الرئيس تشافيز إنه بحاجة إلى هذه الصلاحيات ليتمكن من التعامل مع الدمار الذي خلفته الفيضانات التي ضربت البلاد في الشهر الماضي والتي أسفرت عن مقتل 40 شخصا وتشريد أكثر من 140 ألف. ولكن معارضي الرئيس يقولون إن هذه الخطوة ستحول البلاد إلى ديكتاتورية. وكان الرئيس تشافيز قد قال إنه أعد حزمة من المراسيم الخاصة التي ينوي إصدارها حال تصويت البرلمان على منحه الصلاحيات التي يطالب بها. وكان الرئيس تشافيز قد استخدم هذه الصلاحيات ثلاث مرات سابقة منذ توليه الحكم قبل 11 عاما، أصدر بواسطتها 200 قانون تقريبا. وبينما يقول الرئيس الفنزويلي إن الدافع من وراء سعيه إلى الحصول على صلاحيات استثنائية إنساني بالدرجة الأولى، فإنه من الواضح أنه سيستغل هذه السلطات لتعزيز «ثورته الاشتراكية» والالتفاف على المعارضة قبل التئام البرلمان الجديد في الخامس من الشهر المقبل. وكان ائتلاف المعارضة قد فاز ب40 في المائة من مقاعد البرلمان في الانتخابات التي أجريت في شتنبر المنصرم، وكانت المعارضة تأمل استخدام الزخم الذي حققته لتوجيه النقد القوي إلى توجهات تشافيز وربما إيقاف بعض مشاريع القوانين التي ينوي إصدارها. إلا أن خطوة تشافيز الأخيرة قوضت هذا التوجه لمدة عام ونصف العام، مما يمنحه عنصر المبادرة السياسية. إلا أن اتخاذ هذه الخطوة يعرض الرئيس الفنزويلي لاتهامات المعارضة بكونه بدأ ينحو منحى ديكتاتوريا، وهي الاتهامات التي ينفيها الرئيس تشافيز بقوة. وبالرغم من امتناعه عن الإفصاح عن طبيعة المراسيم التي ينوي إصدارها، يسود الاعتقاد بأنها ستتضمن المزيد من التأميمات. وكان الرئيس تشافيز قد قال غيرما مرة إنه بحاجة إلى المزيد من الأراضي لحل مشكلة الإسكان في فنزويلا وتوفير السكن اللائق لسكان الأحياء العشوائية التي تأثرت، بشكل كبير، بالفيضانات والسيول الأخيرة. وكان الرئيس تشافيز قد أمم أجزاء كبيرة من الاقتصاد الفنزويلي منذ تولى الحكم عام 1999. ويقول مؤيدو الرئيس الفنزويلي إنه يعالج الظلم الذي مارسته الحكومات السابقة على مدى عقود عديدة، وإنه يشجع الديمقراطية عن طريق منح الصلاحيات والأموال للجماعات التي تمثل الطبقات الدنيا من المجتمع.