ب- جهوية مغربية- مغربية: يمكن الإشارة، أولا، إلى أن القانون رقم 47.96 المنظم للجهة يضم بعض المقتضيات الأصيلة التي تنم عن إرادة المشرع تبني نظام جهوي ملائم، إلى حد ما، لخصوصيات المغرب. وتهم هذه المقتضيات، بالخصوص، الجوانب التنظيمية التالية: التمثيل المتعدد داخل المجلس الجهوي (المنتخبون-البرلمانيون-ممثلو الغرف المهنية)، الصبغة المختلطة للوصاية على الأعمال (الوصاية الإدارية، الوصاية الخاصة والوصاية القضائية)، تقوية الشفافية من خلال العدد الكبير لحالات التعليل الوجوبي، إشراك المجلس الجهوي ورئيسه في تنفيذ المداولات من خلال تقنيات ومساطر بديعة،... إن الخطب الملكية تدعو، بصريح العبارة، إلى تقوية الأصالة وإضفاء الطابع المغربي على الجهوية المرتقبة بالارتكاز على الخصوصيات الوطنية والمحلية التي تميز المغرب. وهكذا يضم خطاب 6 نونبر 2008 بعض العبارات الدالة: «وفي جميع الأحوال، فإن المملكة ستظل وفية لهويتها الحضارية»، «وإننا ندعو الجميع إلى التحلي بروح الوطنية والمواطنة لرفع التحدي الكبير لانبثاق نموذج مغربي لجهوية متميزة». وشدد خطاب تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية، من خلال الإشارات المتكررة، على هذه السمة بطريقة تثير الانتباه: «التشبث بمقدسات الأمة وثوابتها»، «نموذج وطني لجهوية متقدمة»، «إيجاد نموذج مغربي-مغربي»، «إبداع منظومة وطنية متميزة للجهوية بعيدا عن اللجوء إلى التقليد الحرفي أو الاستنساخ الشكلي للتجارب الأجنبية»، «نموذج رائد في الجهوية بالنسبة إلى الدول النامية»، «إيجاد أجوبة مغربية خلاقة»، «فالجهوية الموسعة يجب أن تكون تأكيدا ديمقراطيا للتميز المغربي». وجاء خطاب 20 غشت 2010 بعبارة مماثلة: «لإعداد تصور عام لنموذج مغربي-مغربي متميز للجهوية المتقدمة نابع من واقع بلادنا وخصوصياتها». ويمكن قراءة عبارة «نموذج مغربي-مغربي» بطريقتين متكاملتين: الأولى بالمعنى الإيجابي والثانية بالمعنى السلبي. فحسب الدلالة الأولى، من المنطقي أن تكون الجهوية تعبيرا عن الخصوصيات الوطنية والمحلية. ففي جميع الدول، تقوم الديمقراطية المحلية، المتجلية أساسا في الديمقراطية الترابية، على أسس متنوعة: أسس تاريخية، سوسيولوجية، ثقافية، سياسية وقانونية. وفي هذا الصدد، لا يمكن للمغرب أن يشكل استثناء من هذا الواقع الشائع في العالم. وهذا ما يفسر كون الديمقراطية المحلية لا تشتغل، في المغرب، بنفس الطريقة التي تسير بها في دول أخرى ولو كانت مشابهة، نظرا على تجذر أي مؤسسات محلية في مجتمع متميز بتاريخه وثقافته، وفي كلمة واحدة: بهويته. وحسب الدلالة الثانية، فمن الضروري وضع جهوية تأخذ بعين الاعتبار محدودية الإمكانيات المالية والمادية والتقنية والبشرية التي يتوفر عليها المغرب، ومدى إمكانية استيعاب مكونات المجتمع للإصلاح الجهوي. ولذلك يتحدث خطاب تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية عن «إيجاد جهات قائمة الذات قابلة للاستمرار من خلال بلورة معايير عقلانية وواقعية». وبمعنى آخر، لا يمكن، في الحالة الراهنة، إنشاء جهوية بنفس القوة التي ينطوي عليها هذا النظام في الدول المتقدمة. كما يستبعد نفس الخطاب «اللجوء إلى التقليد الحرفي أو الاستنساخ الشكلي للتجارب الأجنبية». فمن الواضح أن التقنية التدرجية، في تطبيق الجهوية المتقدمة، تعد عنصرا مكملا لجهوية مغربية-مغربية. ج- جهوية موسعة: إن المثير للانتباه أن تقوية الجهوية أصبحت أحد الاهتمامات الكبرى في الخطب الملكية وطموحا شخصيا للملك محمد السادس. وهكذا يؤكد خطاب 6 نونبر 2001 على ما يلي: «إننا عازمون على توطيد الجهوية بمنظور للتنمية الجهوية المتوازنة، لا يختزلها في مجرد هياكلها وأبعادها الإدارية والمؤسساتية والثقافية بل يعتبرها فضاء خصبا للتنمية الشاملة والمتواصلة بالجهة ومن أجلها». ولقد ورد نفس الموقف في خطاب 30 يوليوز 2001: «مولين عناية قصوى في هذا المجال للجهة والجهوية التي نعتبرها خيارا استراتيجيا، وليس مجرد بناء إداري». أما خطاب 6 نونبر 2008 فيتحدث عن «جهوية متقدمة» و«جهوية موسعة» كإصلاح جوهري. وتؤكد هذا التكييف عدة عبارات أخرى، مثل: «إن مشروع الجهوية، إصلاح هيكلي عميق»، «خارطة الطريق»، «الورش الواعد»، «الإصلاح المؤسسي العميق». يتعلق الأمر، إذن، بسياسة عمومية حقيقية. فمن المنطقي أنه يتعين على السلطات العمومية أن تعتمد كمرجعية، العجوزات البنيوية والوظيفية التي يتسم بها القانون الحالي المنظم للجهة لتحديد الجرعة الجديدة من الجهوية التي سيتم إدخالها في النظام المغربي. ومن المحتمل أن تضم الجهوية الموسعة بعض العناصر التطويرية التي تعد من المقومات الدنيا للجهوية المتقدمة: -1 فبالنسبة إلى تكوين المجلس الجهوي، يمكن انتخاب أعضائه بالاقتراع غير المباشر من طرف هيئة المنتخبين الجماعيين فقط. ومن شأن هذا الأسلوب أن يؤدي إلى توسيع اهتمام الأحزاب السياسية بالمستوى الجهوي وتقوية تسييس النقاش داخل المجالس الجهوية. لكن هذا الحل يقصي مشاركة الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في التنمية الجهوية، مما يقتضي ضرورة إنشاء بنية من نوع «المجلس الاقتصادي والاجتماعي الجهوي». إلا أن الاقتراع المباشر يشكل تقنية ديمقراطية حقيقية من شأنها إقحام المواطنين والأحزاب السياسية في التنمية الجهوية وتنشيط التنافس السياسي على المستوى الجهوي. ويبدو أن الجهوية الموسعة تستلزم اعتماد هذا النمط من الاقتراع لعدة اعتبارات. فالهدف من الجهة هو جعلها إطارا لتمثيل الجماعة والمصالح والأنشطة التي تشكل نسيج الحياة اليومية لساكنتها والتي تتحكم في مصيرها، وتنطبق هذه الملاحظة أكثر على سكان الجهة التي يتعين عليها تجميع الأقاليم الصحراوية. ثانيا، من المعلوم أن الاقتراع غير المباشر تشوبه مجموعة من العيوب، من بينها التباعد الذي يحدثه بين المواطنين والممثلين الجهويين، وغياب الشفافية الذي يشجع المناورات الفردية والتواطؤات المختلفة على حساب رغبات وأمنيات المواطنين. وهذا ما حدث في التجديد الأخير لثلث أعضاء مجلس المستشارين سنة 2006. كما أن الاقتراع غير المباشر ينطوي على تراكب المسؤوليات الانتخابية، أي الجمع بين الانتدابات الذي لا يتوافق مع الانضباط والحضور المتواصل للمنتخبين الجهويين، حيث تتطلب مهامهم انخراطا شخصيا، خصوصا وأن أغلبهم يمارس نشاطا مهنيا يحد من استعداده. يبدو من الواضح أن الاقتراع المباشر سيكون أكثر مطابقة لتمثيل سياسي حقيقي للناخبين وأكثر ملاءمة لاستيعاب الواقع الجهوي، ليس فقط من قبل المنتخبين بل كذلك من طرف الناخبين. وهذا ما تؤكده بوضوح التجارب الأجنبية، خصوصا منها الأوربية. فالاقتراع المباشر ساهم في ظهور نوع من الوعي الجهوي والانتماء إلى مجموعة ما. ولذلك يجب تحقيق هذا التغيير في التقنية الانتخابية إذا أردنا أن تصبح الجهة، في الواقع، تجسيدا للجهوية الموسعة وفضاء للتنمية السياسية والتضامن الاقتصادي والاجتماعي، وأن يتطابق مضمون هذه الجهوية وما تنطوي عليه من استقلال وظيفي مع الديمقراطية الجهوية. -2 وسيعمل الإصلاح أيضا على التدقيق في توزيع الاختصاصات بين الدولة والجهة. وخطاب 6 نونبر 2008 كان واضحا في هذا الشأن لما تحدث عن مبدأ التوازن: «وأما التوازن فينبغي أن يقوم على تحديد الاختصاصات الحصرية المنوطة بالدولة مع تمكين المؤسسات الجهوية من الصلاحيات الضرورية للنهوض بمهامها التنموية». يتبع... محمد اليعكوبي - أستاذ بكلية الحقوق بسلا