لا تخلو جلسات البرلمان بغرفتيه من سجال سياسي ومشادات كلامية ما بين حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة، سواء تعلق الأمر بالجلسات العمومية بكل من مجلس النواب أو مجلس المستشارين أو خلال النقاش داخل اللجان البرلمانية. وعرفت لقاءات مناقشة الميزانيات الفرعية للعديد من القطاعات بعض المشادات الكلامية ما بين برلمانيي «البام» والوزراء الاستقلاليين. ولعل أبرز مظاهر الحسابات السياسية بين الحزبين ما حصل خلال جلسة التصويت على مشروع الميزانية الفرعية لوزارة النقل والتجهيز بلجنة المالية والتجهيزات والتخطيط والتنمية الجهوية، التي انعقدت يوم الثلاثاء الماضي، بعد أن قام خمسة مستشارين من الأصالة والمعاصرة بالتصويت ضد ميزانية كريم غلاب الاستقلالي، بعد أن صوت مستشار استقلالي لصالحها وامتنع مستشار من الفريق الفديرالي عن التصويت، وهو ما اعتبر سابقة في صفوف المعارضة، إذ أن فرق المعارضة في الآونة الأخيرة بالغرفتين اعتادت غض الطرف عن إيقاع الأغلبية في الحرج وإسقاط الميزانية عندما يتبين لها غياب أعضاء الأغلبية. ولم تخل جلسات النقاش أيضا داخل اللجان من مشادات كلامية، ومنها ما حدث خلال اجتماع عقدته لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين، بعد أن انسحب أعضاء الفريق من اللجنة بمبرر أن ياسمينة بادو، وزيرة الصحة الاستقلالية، قاطعت رئيس فريق الأصالة والمعاصرة حكيم بنشماس أثناء إلقائه مداخلته المتعلقة بالوضع الصحي، وأصدر فريق «البام» بالغرفة الثانية بيانا عبر فيه عن استغرابه لضيق صدر السيدة الوزيرة، وعن استهجانه واستنكاره لأسلوب وشكل تعاطيها مع الملاحظات والانتقادات البناءة التي يثيرها السادة المستشارون، متسائلا عن «مدى استيعاب الوزيرة الوصية على القطاع لضوابط وفضائل الحوار الديمقراطي». غير أن الذين تابعوا اللقاء اعتبروا أن فريق الأصالة والمعاصرة استعمل أسلوبا مستفزا خلال مداخلته، خاصة بنشماش الذي حاول استفزاز الوزيرة، إذ اعتاد خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين مهاجمة الوزيرة الاستقلالية أثناء تعقيبه على أجوبتها، وكمثال على ذلك، سبق لبنشماش أن اتهم ياسمينة بادو في تعقيب له بإحدى الجلسات العمومية، التي انعقدت خلال دورة أكتوبر سنة 2010 ، بإخفاء حقيقة الوضع الصحي عبر قوله «لا تنطلي علينا حيلة الأرقام التي لا تعكس الحقيقة المزرية للمستشفيات العمومية التي تهان فيها كرامة المواطنين».وذكر أن هناك اختلالات تعرفها المراكز الاستشفائية من نهب وتحايل على القانون في مجال الصفقات العمومية.وقال بنشماش إن التقدم المطرد لا يوجد إلا في مخيلة السيدة الوزيرة وإنه لمن المخجل أن يوضع الوضع الصحي في مقدمة اهتمامات الحكومة». ولا يكتفي رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين بتوجيه النقد لبادو فقط في حضورها، بل كان قد هاجم غيابها في إحدى الجلسات التي انعقدت شهر أكتوبر الماضي، وقال: «توصلنا بلائحة الوزراء الذين سيتعذر عليهم حضور الجلسة، ولم تكن وزيرة الصحة من بينهم. وعلى أساس تلك اللائحة أعددنا سؤالين، إلا أننا الآن نفاجأ بأن الوزيرة تعتذر في آخر لحظة»، متهما بالاستخاف، واعتبر أنه من باب التضامن الحكومي يمكن لأحد الوزراء أن ينوب عنها في الجواب. واعتاد متتبعو جلسات البرلمان على المشادات الكلامية بين الحزبين، ويظهر هذا جليا في مضمون تعقيب البرلمانيين على الوزراء الاستقلاليين، فعلى سبيل المثال كلما أثير موضوع مدونة السير ينتقد برلمانيو «البام» بشدة تطبيقها، رغم أنهم كانوا من المصوتين لصالحها، وهو ما جعل برلمانيا حركيا يقول في إحدى الجلسات إن «كل من صوت على المدونة يجب أن يتحمل المسؤولية وأن هناك مرحلة انتقالية وهناك تدابير ينبغي اتخاذها وعلى الجميع أن يتعاون من أجل إصلاحها». ولا يقتصر الأمر على البرلمانيين والوزراء الاستقلاليين، بل حتى بين البرلمانيين أنفسهم، إذ سبق لمحمد الحداد، من الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، أن قال إن الترحال السياسي وجه من أوجه الرشوة، وهو ما أثار حفيظة عبد الغني وافق، من فريق الأصالة والمعاصرة، الذي كان ينتمي إلى حزب الاستقلال، فافتتح رده على جواب الوزير قائلا: «ما هكذا يكون الجواب ياسعد»، موجها الخطاب إلى محمد سعد العلمي وزير تحديث القطاعات العامة، قبل أن يضيف «أنا رئيس جماعة منذ مدة وإذا ثبت علي أي شيء فأنا مستعد لأقدم قربانا لهذا البلد، ونعلم أن هناك رؤساء مجالس المدن والجماعات مرتشين حتى الودنين». وأضاف «حتى قط ما كيهرب من دار العرس» وأن أسباب الترحال معروفة وهي التصرفات اللأخلاقية للمسؤولين الحزبيين.