يدخل المغرب والبوليساريو جولات جديدة من اللقاءات غير الرسمية في مرحلة يبدو فيها أن إيقاع ملف قضية الصحراء يسير بسرعة غير عادية، ذلك أنه منذ الإعلان عن مبادرة مقترح الحكم الذاتي شهد الملف وتيرتين: إيقاع المسافة الزمنية الممتدة بين 2005 (نونبر) وبداية سنة 2009، وإيقاع المسافة الزمنية بين سنتي 2009 و2010 (إلى حدود اللقاءات غير الرسمية التي رافقتها أحداث العيون..). ويلاحظ داخل هذه الوتيرة وضوحُ الموقف الفرنسي المساند للمغرب داخل المنتظم الدولي، مقابل عدم وضوح الموقف الأمريكي بدرجة كافية، هذا الموقف الذي يحاول إقناع الجزائر بعدم جدوى خطة بيكير دون الوصول إلى درجة الضغط عليها، مع ملاحظة أن الوثائق المسربة من موقع «ويكيليكس» تبين أن الإدارة الأمريكية طلبت مشروع مقترح بتطبيقاته الممكنة. أضف إلى ذلك، القلقَ الذي باتت تخلقه إسبانيا (بمداخلها المتعددة)، خاصة ظاهرة الإعلام والمجتمع المدني الإسباني الذي يطور استراتيجية استعمال قضية الصحراء كسجل تجاري، مقابل احتمال تعاقب الأدوار بين الشعبيين والاشتراكيين على تغيير موقفيهما بين المعارضة والحكومة. وتبين المتغيرات الإقليمية بين سنتي 2005 و2010 تحولا في مناورات البوليساريو والجزائر، بمحاولة خلق أحداث (أحداث العيون) أو أجسام «ظاهرة انفصاليي الداخل» لإقناع المجتمع الدولي بوضع آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، بمعنى تدويل المنطقة، مقابل سلوك للمؤسسة العسكرية الجزائرية لازالت مخاطره على المغرب غير واضحة بما فيه الكفاية، وهو المتمثل في لعب الجزائر بكل الأوراق الممكنة في قضية الصحراء، بما فيها ورقة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الشيء الذي يدفع الجزائر إلى التحول تدريجيا إلى «باكستان شمال إفريقيا» في علاقتها بتنظيم القاعدة وحركة طالبان، ويفتح بالمقابل سيناريو تحويل دول موريتانيا ومالي والنيجر إلى «أفغانستانات صغيرة» في منطقة الساحل. لكن يبدو أنه داخل هذه المتغيرات، تبلورت بعض القناعات في النظام الدولي، منها أن المجتمع الدولي لا يقبل ب«دولة سادسة» في منطقة المغرب العربي، وأن الجزائر لا تريد «دولة سادسة» في منطقة المغرب العربي، وإن كانت تعلن عنها، لكونها طرحت عشية تقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي فكرة تقسيم الصحراء، وبالتالي فالقوى الدولية باتت تدرك أطماع الجزائر، وهو ما يفسر تناقض السلوك الجزائري بين احتضان وتعبئة البوليساريو وتقديم خطاب ثانٍ مبني على كونها ليست طرفا في الصراع. مقابل ذلك، لوحظت جاذبية مقترح الحكم الذاتي لجهة الصحراء لدى القوى الكبرى المؤثرة في قضية الصحراء، بما فيها الحكومة الإسبانية الحالية، لكن هذه القناعات لا تنفي وجود بعض المخاطر، تتمثل في ما يلي: النوع الأول من المخاطر أن منطقة المغرب العربي تتحول تدريجيا إلى مجال جغرافي للصراع بين قوتين كبيرتين، على الأقل، هما الولاياتالمتحدةوفرنسا، إضافة إلى الصين، بدرجة أقل، نظرا إلى انحصار الصراع معها في المجال الجزائري. هذا النوع من الصراع يمكن أن يغير التوازنات الحالية. ونعطي هنا مثالا بمشروع الشراكة الأمريكية مع دول المغرب العربي كمشروع جديد، أعلن حاملوه أن أول عائق في المنطقة هو إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر. وهو إعلان له مخاطره لأن فتح الحدود في هذه المرحلة يمكن أن تكون تكلفته ثقيلة على المغرب مادامت الجزائر لم تغير موقفها من قضية الصحراء. النوع الثاني من المخاطر هو استمرار اللقاءات غير الرسمية بين المغرب والبوليساريو إلى ما لا نهاية، حيث يثار التساؤل هنا حول المفاوضات مع البوليساريو في حد ذاتها، ألم تكن خطأ؟ فالمفاوضات، التي هي في الواقع ليست مفاوضات، يمكن أن تكون قد خلقت تمثيلية لدى البوليساريو هو يفتقر إليها في الواقع. ويمكن هنا الرجوع إلى تحليل نفسي لمضمون رسالة عبد العزيز المراكشي. مع ملاحظة أن انطلاق المفاوضات أعطانا ظاهرة «انفصاليي الداخل».. هذه الظاهرة، التي إذا لم يتم استيعابها، ستنتج مزيدا من المخاطر في النقطة المتعلقة بمطلب البوليساريو حول إيجاد آلية ل«حماية حقوق الإنسان» في الصحراء. وتوضح هذه المعطيات أننا أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة في قضية الصحراء: السيناريو الأول، فشل اللقاءات غير الرسمية، ولو سارت إلى ما لا نهاية له من الجولات، نظرا إلى اتساع حجم الفوارق بين مقترح المغرب وما يردده البوليساريو، ولكون البوليساريو نفسه لا تملك تصورا خارج ما تريده الجزائر. أضف إلى ذلك أن البوليساريو نفسها بدأت تنقل، بعد نهاية كل محادثات، وقائع لا وجود لها.. فبعد لقاء بداية شهر نونبر الأخير، خرج عبد العزيز المراكشي بتصريح لقناة «الحرة» من الجزائر العاصمة، يقول فيه إن الوفد المغربي قبل مناقشة عرض «الاستفتاء على الاستقلال»، وهي المسألة التي نفاها أعضاء الوفد المغربي ولم يشر إليها المبعوث الأممي نفسه. وستؤدي نتيجة هذا السيناريو (فشل اللقاءات غير الرسمية) إلى إمكانية عودة البوليساريو إلى الحرب في شكل حرب للعصابات، يمكن القول إنها انطلقت سواء من خلال أحداث العيون أو من خلال مهاجمة أعضاء البوليساريو للمغاربة في الخارج (فرنسا-إسبانيا-جنوب إفريقيا)، فالأحداث التي تجري داخل الجزائر، والمتمثلة في بداية الاختفاء الفيزيائي للجيل القديم، تبين إمكانية انفلات البوليساريو للجزائر نفسها، وبالتالي فنتيجة هذا السيناريو بالنسبة إلى المغرب هي المواجهة مع عصابات البوليساريو ومراقبة انفصاليي الداخل وانتظار وترقب ما ستسفر عنه التحولات الجزائرية الداخلية لما بعد بوتفليقة. السيناريو الثاني أنه إذا لم تنجح الأممالمتحدة في إعادة تحريك المفاوضات، فسيكون بذلك روس آخر مبعوث أممي في المنطقة. وهنا قد يعمد مجلس الأمن إلى فرض حل، والحل لا يمكن أن يكون غير الحكم الذاتي، فالأممالمتحدة تنظر إلى سقف المغرب في المحادثات الذي هو الحكم الذاتي ومطلب البوليساريو الذي ينطلق من آلية الاستفتاء، وبالتالي ستنظر إلى التقاطع بينهما من خلال الحكم الذاتي لمدة زمنية محددة متبوعا بالاستفتاء. ومن مخاطر هذا الحل أن يتم تدويل الحكم الذاتي، بمعنى فرضه دوليا، وهو سيناريو خطير على المغرب. السيناريو الثالث أن ينتقل المغرب، بعد أن أسس لمشروعية واعتراف دولي بالحكم الذاتي، إلى تطبيقه بطريقة منفردة وبأدوات داخلية، وهي مسألة تتوقف على تحديد أجندة زمنية لتطبيق الإجراءين الترابيين: الحكم الذاتي في الصحراء والجهوية المتقدمة في باقي المناطق. ويبدو أن هذا السيناريو هو الأقل تكلفة للمغرب، لكنه سيناريو يتطلب حلَّ ما يلي: الإشكالية الأولى وتتمثل في اعتقاد البعض -ومنهم وزير الخارجية المغربي، في تصريحه أمام إحدى اللجن بمجلس المستشارين أثناء مناقشة مشروع الميزانية القطاعية لوزارة الخارجية- أن نص المبادرة يتضمن إشارة إلى حكم ذاتي «منبثق من المفاوضات»، وهي إشارة وإن كانت تبين خللا في صياغة المبادرة يقيد المغرب بموافقة البوليساريو، فإنها حجية ضعيفة لا تصمد أمام إمكانية التطبيق الأحادي للحكم الذاتي، لكون الأمر يتعلق بمجرد مبادرة وليس اتفاقية، وبالتالي فكل مبادرة تكون حاملة لقراءتين: الموافقة عليها وعدم الموافقة عليها. وفي هذه الحالة، ليس هناك ما يمنع، قانونيا، من انتقال الدولة -صاحبة المبادرة- إلى الشروع في التطبيق الأحادي لها مادامت هي المبادرة الأصل الذي انطلقت على إثره المفاوضات . أما الإشكالية الثانية فهي مرتبطة بدرجة استعداد النخب الصحراوية الحالية لتطبيق الميداني للمبادرة مباشرة دون مرحلة انتقالية تمر خلال مدة زمنية لا تتجاوز السنتين، عبر أسلوب الجهوية المتقدمة الذي ستفرز شكله اللجنة الاستشارية. وهنا، يمكن للمغرب أن يغير طريق مرافعته أمام المجتمع الدولي بتحسيسه بأن المحادثات لا تنتج شيئا، وأنه سينتقل إلى تطبيق الجهوية المتقدمة في الصحراء لتهييء المنطقة لحكم ذاتي. لكن إذا كانت قضية الصحراء تسير بهذه الوتيرة، فيبدو أن عقل الدولة في المغرب مقسوم بين وتيرة السير نحو انتخابات 2012 ووتيرة قضية الصحراء، وبالتالي فالدولة مطالبة بالحسم في قضية إجراء الانتخابات في سنة 2012، إذ لا يمكن دائما مسايرة العقل الحزبي في قضايا توازنات الدولة.