هكذا تتبع صاحبنا أكاذيب الروافض وشُببهم الشائعة في ذم عائشة رضي الله عنها، وبثها في هذا المقال في صحيفة سيارة يقرؤها الخاص والعام، بحيث لو تخابثت شيعة إيران ولبنان وتحايلت لبث مثل هذه الشبه والسخافات في منبر إعلامي مغربي، كما هو ديدنها في سائر البلاد الإسلامية ضمن خطة تصدير الفكر الشيعي، لما وجدت حيلة وسيلة أحسن من هذه المقالات التي تنشر بأقلام محسوبة على أهل السنة حتى يكون الاغترار بها أبلغ وتأثيرها في نفوس العوام أوقع. فرية مطالبة عائشة وحفصة بميراثهما زمن عثمان
زعم صاحبنا أن سبب غضب عائشة وتحريضها على قتل عثمان كان هو منعها من ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم من لدن عثمان، ونقل عن ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» قوله: «جاءت عائشة وحفصة ودخلتا على عثمان أيام خلافته، وطلبتا منه أن يقسم لهما إرثهما من رسول الله صلى الله عليه وآله. وكان عثمان متكئا فاستوى جالسا وقال لعائشة: أنت وهذه الجالسة جئتما بأعرابي يتطهر ببوله وشهدتما أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: نحن معشر الأنبياء لا نورث. فإذا كان الرسول حقيقة لا يورث، فماذا تطلبان بعد هذا، وإذا كان الرسول يورث لماذا منعتم فاطمة حقها؟ فخرجت من عنده غاضبة وقالت: أقتلوا نعثلا فقد كفر». وهذا كذب صراح، إذ لم يثبت تاريخيا أن عائشة وحفصة طالبتا بميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانتا على علم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم «نحن معشر الأنبياء لا نورث». و«شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد كتاب لا يوثق به في نقل أخبار التاريخ الإسلامي لأن صاحبه رافضي كذاب ومتلوّن يميل مع كل ريح، وأصل الكتاب مكذوب على الإمام علي رضي الله عنه، مما وضعته الشيعة ونسبوه إليه رضي الله عنه. وإلا فليورد لنا الكاتب إسنادا صحيحا لهذه القصة، فإن هذا العلم مسلسل بالأسانيد، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. وكيف يظن بفقية نساء العالمين وإحدى المكثرات من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن تجهل هذا، أو تتجرأ على المطالبة بميراثها، وقد سبق لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طالبت بميراثها زمن أبي بكر رضي الله عنه فذكرها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في أن الأنبياء لا يورثون، ولو كان لنساء النبي صلى الله عليه وسلم حق في الميراث، لطالبن به زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولم تتأخر عائشة وحفصة في المطالبة بميراثهما إلى زمن عثمان، بناء على خبر ابن أبي الحديد الرافضي المعتزلي، وقد علم أن «الرافضة أكذب الطوائف في الإسلام». فرية تحريض عائشة رضي الله عنها على قتل عثمان زعم صاحب المقال أن إحراق عثمان للمصاحف كان سببه غضب عائشة رضي الله عنها وتحريضها على قتله، حيث قال: «وستصف عائشة زوجة النبي خطوة الإحراق بغير السديدة، وتقول قولتها الشهيرة في ما اعتبره الدارسون لتاريخ الإسلام تحريضا على مقتل عثمان بن عفان: أقتلوا نعثلا فقد فجر، أقتلوا نعثلا فقد كفر». وهذه فرية حاكها المؤرخون الشيعة، بناء على ما كان يطلقه رؤوس الفتنة على عثمان، قال ابن الأثير في «النهاية»: «كان أعداء عثمان يسمّونه نعثلا تشبيها برجل من مصر، كان طويل اللحية اسمه نعثل. وقيل: النّعثل: الشيخ الأحمق وذكر الضباع»، («النهاية في غريب الحديث»، 5/79). وقد ساقها الطبري من طريق نصر بن مزاحم الرافضي الوضاع، عن سيف بن عمر التميمي الكذاب، وقال الطبري: كتب إلي علي بن أحمد بن الحسن العجلي أن الحسين بن نصر العطار قال حدثنا أبي نصر بن مزاحم العطار قال حدثنا سيف بن عمر عن محمد بن نويرة وطلحة بن الأعلم الحنفي قال وحدثنا عمر بن سعد عن أسد بن عبد الله عمن أدرك من أهل العلم أن عائشة رضي الله عنها «لما انتهت إلى سرف ( ) راجعة في طريقها إلى مكة، لقيَها عبد بن أم كلاب، وهو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى أمه، فقالت له مهيم، قال قتلوا عثمان رضي الله عنه فمكثوا ثمانيا، قالت ثم صنعوا ماذا، قال أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز، اجتمعوا على علي بن أبي طالب، فقالت والله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ردوني ردوني، فانصرفت إلى مكة وهي تقول قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه، فقال لها ابن أم كلاب ولم، فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت، ولقد كنت تقولين أقتلوا نعثلا فقد كفر، قالت إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول، فقال لها ابن أم كلاب: فمنك البداء ومنك الغير / ومنك الرياح ومنك المطر / وأنت أمرت بقتل الإمام / وقلت لنا إنه قد كفر / فهبنا أطعناك في قتله / وقاتله عندنا من أمر/ ولم يسقط السقف من فوقنا / ولم ينكسف شمسنا والقمر فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد، فقصدت للحجر فسترت، واجتمع إليها الناس فقالت يا أيها الناس إن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما ووالله لأطلبن بدمه. وهي رواية واهية إسنادها مظلم، فنصر بن مزاحم الرافضي كذاب، قال فيه العقيلي: «كان يذهب إلى التشيع وفي حديثه اضطراب وخطأ كثير»، وقال الذهبي: «رافضي جلد، تركوه»، وقال أبو خيثمة: «كان كذابا»، وقال أبو حاتم: «واهي الحديث، متروك»، وقال الدارقطني: «ضعيف»، وقال الجوزجاني: «كان نصر زائغا عن الحق مائلا»،.. وقال الحافظ أبو الفتح محمد بن الحسين: «نصر بن مزاحم غال في مذهبه، وسيف بن عمر كذاب، قال فيه ابن معين وابن أبي حاتم: ضعيف الحديث»، وقال النسائي: «كذاب»، وقال ابن حبان: «يروي الموضوعات عن الأثبات»، وقال الدارقطني: «متروك»، وقال ابن عدّي: «عامّة حديثه منكر». وعلى ذلك، فهذه رواية لا يعول عليها ولا يلتفت إليها علاوة على مخالفتها للروايات الصحيحة المناقضة لها. وهذا الكلام السجع أعرض عنه أعلام المؤرخين من أئمة الحديث، لأنه مناقض لصريح قول الله تعالى: محمد رسول الله، والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم. وليس من الرحمة والرضوان أن يكفر الصحابة بعضهم بعضا، ويتنابزوا بأبشع الألقاب، فتشبه عائشة عثمان رضي الله عنه بذكر الضباع. وتسمية عثمان بنعثل لم تعرف إلا على ألسنة قتلة عثمان رضي الله عنه، وأول من سماه بها جبلة بن عمرو الساعدي. وقد بين الحافظ ابن كثير أن ما يرويه المؤرخون من تحريض عائشة للناس على قتل عثمان باطل مدسوس عليها، حيث قال: «قال أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة عن مسروق قال: قالت عائشة حين قتل عثمان: تركتموه كالثوب النقي من الدنس ثم قتلتموه؟ فقال مسروق هذا عملك: أنت كتبت إلى الناس تأمرينهم أن يخرجوا إليه، فقالت: لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا، قال الأعمش: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها، قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح إليها، وفي هذا وأمثاله دلالة ظاهرة على أن هؤلاء الخوارج، قبحهم الله، زوروا كتبا على لسان الصحابة إلى الآفاق يحرضونهم على قتال عثمان . يتبع... أبو جميل الحسن العلمي - عضو المجلس العلمي- القنيطرة