تسعى مكاتب مندوبية السياحة المغربية، المتمركزة في عدد من العواصم الأوربية، جاهدة وبجميع الوسائل المتاحة لديها إلى تلميع صورة المغرب وإقناع الزبون الأوربي بقيمة وجودة سياحتنا، وذلك للمساهمة في جلب 10 ملايين سائح خلال سنة 2010. فرغم أن الموعد أصبح قريباً جدا ولا تفصلنا عنه إلا سنة ونصف تقريبا، إلا أن المغرب يبقى بعيدا كل البعد عن هذا العدد الذي تجلبه مدينة أوربية واحدة خلال موسم العطل الصيفية. فكيف تعمل هذه المكاتب المغربية المتواجدة خارج الوطن؟ وبأية وسائل؟ ومن خلال أية استراتيجية؟ ومن هم المسؤولون عنها؟ وكيف يفكرون؟ «المساء» زارت مكتب مندوبية السياحة المتواجد بمدينة ميلانو الإيطالية وتحدثت إلى صحفيين ورجال أعمال إيطاليين متخصصين في مجال السياحة زاروا المغرب لعدة مرات. في مكتب السياحة المغربية بميلانو بمنطقة راقية تدعى ميسوري بوسط عاصمة الموضة الإيطالية ميلانو، يتواجد مكتب السياحة المغربي الذي يعول المغرب على استراتيجيته الدعائية لجلب مزيد من السياح الإيطاليين إلى المغرب لاستكمال 10 ملايين سائح في سنة 2010. كنت أعرف جيدا موقع المكتب وكنت، بالتالي، أعرف مديرته السابقة انشراح ناصيري التي غادرته قبل سنتين، والتي كانت على اتصال دائم بي وبصحفيين إيطاليين لمنحنا أخبارا جديدة عن المغرب السياحي وعن مبادرات مكتبها بإيطاليا لحث الإيطاليين على اقتناء المنتوج السياحي المغربي، لكن مغادرتها إيطاليا نحو المغرب، لأسباب مازلت أجهلها حتى الآن، انقطعت عني أخبار وأنشطة المكتب وكأنه أصبح غير موجود بإيطاليا ولا دور له. أمام هذا الوضع، قررت القيام بزيارة إليه لمعرفة تفاصيله وأوضاعه الجديدة خصوصا أن زميلا صحفيا إيطاليا كان قد أكد لي أن المكتب رفض أن يبعث إليه بوثائق ومجلات تتضمن معلومات سياحية عن المغرب بعد أن كان يقوم بذلك في السابق، لتقول له مسؤولة إيطالية فيه عبر الهاتف، إن كل المعلومات التي يرغب فيها سيجدها إما في مواقع إلكترونية متخصصة، أو بالالتجاء إلى المكتب نفسه. الوصول إلى مكتب السياحة المغربي سهل جدا، فما عليك إلا استعمال مترو الأنفاق « لينيا دجلاّ» ( الخط الأصفر) تجاه منطقة ميسوري القريبة جدا من «بياتسا دوومو» (ميدان كاثدرائية ميلانو) لتنزل فيها وتبحث عن شارع «لارغا « أو «فيا لارغا « الذي يظهر لك فيه اسم «ماروكّو» (المغرب) من بعيد مكتوباً بعناية فوق مكتب السياحة المغربي. دخلت إلى المكتب ووجدته شبه فارغ إلا من وجه لم يكن غريبا عني، كنت التقيت به قبل سنتين، اقترب مني وقدمت نفسي قبل أن يبدأ في الإجابة عن أسئلتي بخصوص استراتيجية المكتب الجديدة في الدعاية السياحية، فقال لي: «عملت في هذا المكتب مع ثلاثة مديرين وعاينت وبشكل مباشر التغييرات والتحديثات التي طرأت على سياستنا الدعائية من حسن إلى أحسن، ويظهر هذا الأمر من خلال زيادة نسبة السياح الإيطاليين الوافدين على المغرب، وكذلك من خلال تعاقدنا مع شركات إيطالية عملاقة في مجال السياحة التي بفضلها حققنا زيادة مهمة في نسبة السياح الإيطاليين». لاحظت أن المكاتب التي كانت تملؤها في السابق طاقات مغربية كنت أعرفها جدا، أصبحت فارغة ولا تواجد لأحد فيها، فسألت المسؤول المغربي عن السبب في ذلك ليجيبني قائلا: «أصبحنا نعتمد على طاقات إيطالية عوض المغربية، اعتبارا أن رسالتنا الدعائية موجهة إلى الإيطاليين، فالمغرب يتطور ويجب أن نغير نحن بدورنا عقلياتنا واستراتيجيتنا لتحقيق الهدف المرغوب فيه بإدخال أكثر من 10 ملايين سائح في أفق 2010 ...التغيير طال كذلك حتى مدير مكتب السياحة بالمغرب وحتى بعض مديري فروعها بالخارج لخدمة الاستراتيجية ولتوديع عهد أكل عليه الدهر وشرب». كان كلام المسؤول، الذي قضى مدة كبيرة بمكتب السياحة المغربي بميسوري، مقنعا جدا خصوصا أنه أكد ما قاله لي بوثائق ومجلات تظهر ذلك وتظهر الفرق بين العهد القديم والجديد. لكن جوابه بخصوص قلة الأنشطة الدعائية للسياحة بالمغرب وكذا بخصوص التقليل من التواصل مع الصحفيين كانت غير واضحة وغير مقنعة. اللقاء مع المديرة كان لقائي بمديرة مكتب مسيوري، جازيا السنتيسي، حميميا جدا، تخللته بساطة الحوار ورغبة المسؤولة الشابة في إظهار قيمة عملها ودور مكتبها في ازدياد نسبة السياح الإيطاليين المتوافدين على المغرب. كانت تتحدث معي مرة بالدارجة المغربية ومرة أخرى بالفرنسية، لتقرر في الأخير التحدت بطلاقة بالغة الإيطالية, حيث أكدت أن الحملة الدعائية للسياحة المغربية بإيطاليا مكنت من زيادة نسبة السياح الإيطاليين الذين زاروا المغرب ب13%. وقالت: «في سنة 2007، تمكنا من جلب 160 ألف سائح إيطالي إلى المغرب، ونتوقع أن نقفل سنة 2008 بعدد 185 ألف سائح. ازدياد عدد السياح الإيطاليين الوافدين على المغرب يعود أساسا إلى نجاح سياستنا الدعائية وإلى اهتمام خاص للإيطاليين بمدينة مراكش والمدن العتيقة والتاريخية الأخرى، فمدينة مراكش لوحدها نالت حصة الأسد، حيث زارها أكثر من 60 % من عدد السياح الإيطاليين، إضافة إلى ما ذكرته هناك مساهمة الخطوط الجوية الجديدة الرابطة بين إيطاليا والمغرب التي سهلت نوعا ما مأمورية الإيطاليين لزيارة المغرب الذي أصبح قريبا جدا منهم وبتكلفة تنقل أقل من السابق... قبل أن تضيف «بالنسبة إلى عمل مكتبنا بإيطاليا، فنحن نعمل بشتى الطرق لإقناع شركائنا وزبائننا باختيار وجهة المغرب من خلال معارض متعددة للسياحة بإيطاليا، مثل المعرض الذي ينظم في شهر فبراير من كل سنة ومعرض مدينة ريميني الذيينظم في أكتوبر، نقوم بمبادرات خاصة مثل معارض ننظمها بميلانو التي حضرتها شخصيات إيطالية بارزة وننظم رحلات متكررة لصحفيين إيطاليين إلى المغرب في إطار مهرجانات، مثل مهرجان فاس للموسيقى الروحية لنقل التطورات التي يشهدها المغرب على جميع المستويات إلى الرأي العام الإيطالي. وختمت المدير حديثها بالقول: «ثم إننا وفي إطار التعريف بالمغرب وبتفاصيل السياحة فيه سنطلق في القريب العاجل موقعا إلكترونيا سيخصص لتعريف المهنيين الإيطاليين بخصوصيات السياحة المغربية بشكل شامل ودقيق حتى يتمكنوا من إيصال الرسالة واضحة إلى السائح الإيطالي الراغب في زيارة المغرب». الاتجاه المعاكس قبل أن أقوم بزيارة إلى مكتب السياحة المغربي بميسوري، كان لي اتصال بعدد من المهنيين والصحفيين الإيطاليين، الذين عبروا لي عن خيبة أملهم من السياسة الجديدة التي أصبح المكتب يتبعها في إطار الدعاية للمغرب السياحي، مؤكدين أن هناك شبه غياب للتواصل بينهم وبين المسؤولين عن المكتب. وكان احتجاج برونو أليدجي، وهو مسؤول عن شركة سياحية تدعى«تودغا» الأكثر حدة، حيث أكد لي أن المكتب أصبح يعتمد طرقا دعائية أنغلو ساكسونية لا يمكنها، بأي حال من الأحوال، أن تطبق على واقع السياحة بالمغرب. وقال: «المغرب له خصوصيات مختلفة عن عدد من الدول السياحية الأخرى، ولا يمكن أن نطبق عليه النموذج الأمريكي أو غيره في الدعاية السياحية، بل يجب أن نؤسس نموذجا يتماشى مع ثقافته وتنوعه الطبيعي والتاريخي، لهذا أرى أن تغيير استراتيجية المكتب السياحي بميلانو من خلال تبني استراتيجيات دعائية لا علاقة لها بواقع المغرب ومن خلال حصر الدعاية فقط في عدد قليل من المؤسسات السياحية الإيطالية، يبقى أمراً يضر بمصالح المغرب في هذا الإطار». صحفي إيطالي آخر متخصص في مجال السياحة فضل عدم ذكر اسمه، أكد لي أن المسؤولين عن السياحة، في المغرب يعيشون تناقضا كبيرا وحادا بخصوص سياستهم الدعائية في أوروبا لجلب 10 ملايين سائح، في أفق سنة 2010، فهم من جهة يعولون على الجالية المغربية المقيمة في الخارج والتي يفوق عددها ال4 ملايين لاستكمال 10 ملايين سائح، وفي الوقت نفسه يتجاهلونها في إطار حملتهم الدعائية. وقال: «أرى أن السلطات المغربية تحاول تضليل الرأي العالم بالمغرب بالقول إن لها القدرة على جلب 10 ملايين سائح في سنة 2010، فهي تعلم أن هذا الأمر أصبح الآن شبه مستحيل في ظل المنافسة الحادة لعدد من دول البحر الأبيض المتوسط وفي ظل الأزمات التي يعيشها العالم، لهذا فهي ستكمل بقية العدد بأبناء الجالية المقيمين بالخارج الذين يتوفر بعضهم على طاقات مهمة يمكن استغلالها في هذا الإطار». الصابون البلدي أو الغاسول أداة للدعاية السياحية شيء جميل أن يعتمد المسؤولون عن السياحة بالمغرب على ثقافتنا وعاداتنا وموادنا الشعبية لرسم صورة عن مغرب سياحي جميل، والأجمل منه هو تصريف هذه الأمور والمفاهيم إلى الغربيين في قالب وشكل يفهمونهما. فقبل أن أغادر مكتب السياحة بميلانو، سلمتني مديرته علبة كرتونية خضراء وجميلة كتبت فوقها عبارة «حب وسلام» ووضع بداخلها قرص مدمج يحمل صوراً ومعلومات عن المغرب السياحي وكتيباً صغيراً فيه بعض الصور عن المدن السياحة المغربية إضافة إلى علبة صغيرة بلاستيكية وأسطوانية الشكل بها صابون أسود لم أعرف هل هو الغاسول أم الصابون البلدي، رغم كتابة عبارة «صابون أسود للحمام» بالفرنسية والإنجليزية على علبته الأسطوانية، ورغم تقديم شروحات عن طريقة استعماله، ودائما بالفرنسية والإنجليزية، التي أكدت أن هذه المادة توضع على جسد المستحم لمنح جلده نعومة وحيوية أكبر. بقيت حائرا في هذه المادة التي صنعت وعلبت بمدينة تلون الفرنسية وفي علاقتها بالثقافة المغربية، فهل هي الصابون البلدي «LE SAVON MUNICIPAL» كما ترجمها الفنان المغربي الساخر حسن الفد في إحدى عروضه الساخرة، أم هي الغاسول أم شيء يجمعهما. فقررت للإجابة عن هذا السؤال أن أتصل بمديرة المكتب السياحي جازيا السنتيسي، التي أكدت لي أن «مثل هذه المواد نابعة من الثقافة المغربية وأنها صنعت بمختبرات فرنسية حتى نحترم المعايير والمقاييس الأوربية في صناعة مثل هذا الصابون الموجه للدعاية السياحة المغربية بإيطاليا».