يعتبر قطاع التربية والتكوين من أكبر التحديات التي تواجه بلادنا في أفق المغرب الممكن، إذ يحتل المرتبة الأولى رسميا من حيث الأهمية والأولوية بعد قضية وحدتنا الترابية، وكذلك من حيث الاعتمادات المخصصة له والتي تناهز حوالي ربع الميزانية العامة للدولة. وقد عرف المغرب، منذ فجر الاستقلال، أربعة مشاريع كبرى لإصلاح قطاع التعليم في بلادنا (1956-1981/1979-1999-2009)، كان آخرها المخطط الاستعجالي للتربية والتكوين الذي جاء كثمرة لدعوة الملك محمد السادس في خطابه الافتتاحي للدورة التشريعية لسنة 2007. وتتجلى أهمية هذا القطاع الحيوي في دوره المحوري في إرساء المعالم الأساسية لمجتمع المعرفة وفي كونه الضامن الأول والأخير لتأهيل الموارد البشرية المرشحة لمواكبة المشاريع الكبرى التي باشرها المغرب، خصوصا في العشرية الأخيرة، تحت قيادة الملك محمد السادس. ومن جهة أخرى، فهو يعتبر الإطار المؤسس لزرع قيام المواطنة والحداثة في قلوب جميع تلاميذ وطلبة اليوم الذين يشكلون الدعامة الأساسية لمغرب الغد، مغرب الديمقراطية والحداثة. وفي إطار تسريع وتيرة الإصلاح في قطاع التعليم العالي، تم التوقيع يوم 6 أكتوبر 2009 بأكادير أمام الملك محمد السادس على عدد هام من عقود التنمية ما بين الدولة، من جهة، والجامعات، من جهة أخرى، على أساس مبادئ موجهة واضحة كالاستقلالية، المسؤولية، التتبع والتقييم. وتنضاف هذه المبادرة إلى مجموعة من التدابير المرتبطة بالمخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم والرامية إلى النهوض بهذا القطاع الذي يعتبر الخزان الأول للكفاءات البشرية الكفيلة برفع تحديات التنمية ببلادنا، خصوصا في ظل سياسات الإصلاح والأوراش الكبرى التي يعرفها المغرب منذ عدة سنوات والاستجابة للحاجيات المتزايدة لسوق الشغل الذي بدأت تتحكم فيه خيوط العولمة. ولبلوغ هذا الهدف، رصدت اعتمادات مالية هامة لقطاع التعليم العالي بموجب مشروع الميزانية لسنة 2011، تجاوزت 8 ملايير درهم من أصل 48 مليار درهم وهي الميزانية العامة المخصصة للوزارة الوصية على القطاع، وقد حصلت بعض الجامعات على أكثر من 20 مليار سنتيم لسنة 2011 للتسيير والاستثمار. ومن ناحية أخرى، تم العمل على الرفع من عدد الطلبة المسجلين بالجامعات، إذ ارتفع هذا العدد بنسبة 15 في المائة بالمقارنة مع سنة 2009 وبنسبة 22 في المائة بالمقارنة مع سنة 2008، كما ارتفعت نسبة الطلبة المسجلين في العلوم والتقنيات من 25 في المائة إلى 38 في المائة من مجموع الطلبة المسجلين والذي بلغ هذه السنة 357000 طالب، أي بزيادة 47000 طالب هذه السنة. كما تم الحرص على تنويع وتوسيع العرض الجامعي، سواء من حيث الزيادة في عدد المسالك أو من حيث تدعيم التكوينات الممهننة بالجامعات وتوجيه عدد كبير من الطلبة نحو التكوينات التقنية والممهننة. وقد أدى هذا الارتفاع الملحوظ في عدد الطلبة المسجلين في الجامعات المغربية إلى حالات من الاكتظاظ ببعض الجامعات، كجامعة الأزهر وجامعة سيدي محمد بن عبد الله. وتعمل الجامعات، عموما، بحوالي 30 طالبا لكل أستاذ مقابل 18 طالبا لكل أستاذ بتونس، مع العلم بأن العدد الإجمالي للأساتذة الجامعيين يناهز 9680 أستاذا مع زيادة 340 منصب شغل في هذا القطاع بموجب مشروع الميزانية لسنة 2011، مع الإشارة إلى أن هذا العدد سيعرف نزيفا بحلول سنة 2014، وذلك بسبب وصول عدد كبير من الأساتذة إلى سن التقاعد. وعموما، تبقى مسألة الاكتظاظ حتمية ولكن مؤقتة، بحيث يمكن التغلب عليها بالترشيد المسؤول والمعقلن للموارد البشرية والبنيات التحتية وتفعيل العمل بوسائل التدريس الرقمية الحديثة. ورغم مجهودات الوزارة الوصية للنهوض بقطاع التعليم العالي في ظل إرادة قوية واضحة المعالم وحرص معظم الأساتذة الباحثين على الرفع من مستوى التعليم العالي، فإنه لا زالت مجموعة من المعوقات ترهن مستقبل الجامعة المغربية. ويرجع هذا بالأساس إلى مدى محدودية تصريف وتنزيل مبدأ الحكامة الجيدة داخل الجامعة، مما ينعكس، من ناحية، وبصورة مباشرة، على إنتاجية البحث العلمي، حيث إن عدد البحوث الدولية لسنة 2010 لا يتعدى 2000 بحث، ومن ناحية أخرى على ظروف العمل داخل الجامعة بصفة عامة، مما يدفع ببعض الأساتذة الجامعيين أحيانا إلى البحث عن أولويات أخرى من خارج الجامعة، سواء داخل الوطن أو خارجه. أما بخصوص مبدأ التعاقد والمحاسبة الذي يربط الجامعة بالدولة، فإنه لا يزال مجرد خطاب وحبر على ورق لمجموعة من الجامعات المغربية، إذ نلاحظ أن جامعتين فقط من أصل 15 جامعة مكونة من 103 مؤسسات جامعية، قامت بإبرام عقود عمل مع جميع المؤسسات التابعة لها، وخمسة جامعات فقط من أصل 15 جامعة قامت بإبرام عقود عمل مع بعض المؤسسات التابعة لها، وهذا من شأنه أن يعطل تصريف سياسة الإصلاح داخل الجامعة المبنية على أساس الحكامة الجيدة. وهذا ما يؤكده عدم صرف أكثر من 60 في المائة من الميزانية المخصصة لبعض الجامعات، إضافة إلى غياب أي تقارير عن الجامعات في إطار مبدأ التعاقد والمحاسبة بينها وبين الدولة. وعلى الرغم من إنشاء لجنة مركزية للتتبع على مستوى قطاع التعليم العالي وتحديد حوالي 108 مؤشرات أساسية للتتبع، فإن تنزيل مبدأ التعاقد والمحاسبة بين الدولة والجامعة مع ترسيخ ثقافة المتابعة والتقييم، لا يزال صعب التحقيق في ظل استقلالية أكدت محدودية نجاعتها، مما يستدعي إعادة النظر في طريقة التسيير الداخلي للجامعات، خصوصا القانون 00-01. إن إشكالية النهوض بقطاع التعليم العالي لا تتجلى في القدرة على تشخيص المعوقات أو حتى القدرة على اقتراح الحلول، بل في مدى نجاعة تصريف هذه الحلول داخل الجامعة وحول محيطها السوسيو-اقتصادي.