من قتل هؤلاء؟ سؤال محير ما يزال يتردد صداه بالمدينة الصغيرة أفورار. ثمانية ضحايا قتلوا في ظروف غامضة، نساء ورجال وجدت جثثهم بعيدا عن القرية أو في أماكن عامة. ما جمع بين الجثث أن العنصر الجرمي يغيب ويقفل ملف التحقيق لتسجل الجرائم ضد مجهول، وما يزال الوصول إلى الحقيقة وكشف مرتكبي جرائم أفورار بعيد المنال إلى حين كتابة هذه الأسطر، وتبقى رغبة أسر الضحايا في معرفة القاتل أملا كالسراب وتبقى أصابع الاتهام عاجزة عن الإشارة إليه، لتستمر معاناة العائلات في البحث عمن قتل الابن والأخ والزوج والأب. قبل 13 سنة كتبت جريدة وطنية عن مدينة أفورار، البلدة الصغيرة التي تقع في سفح جبال الأطلس وبوابة إقليم أزيلال. كما كتبت عن سلسلة من الجرائم أو حوادث وفاة وقعت في زمن متقارب. واتهمت الجريدة آنذاك جهة نافذة بالمدينة وسمت المكان الذي وقعت فيه حوادث القتل، لكن رغم الضجة الإعلامية التي خلفها مقال تلك الجريدة، ورغم توجيه الجريدة الاتهام المباشر لأشخاص نافذين بالبلدة، لم يفتح تحقيق جديد في خمس جرائم ذهب ضحيتها خمسة أشخاص، أولهم سائق طاكسي (محمد عبوزة)، تم العثور على جثته قرب منزل أسرته على بعد 10 أمتار بحقل أشجار الزيتون، على امتداد الطريق الثلاثية الرابطة بين أفورار وأولاد امبارك، وهو مصاب بطعنة سكين في الجهة اليسرى للصدر. وبعد مسلسل من التحقيق والبحث سجلت القضية ضد مجهول. ثاني الضحايا كان جنديا عثر على جثته ليلة زفافه بأحد أودية السقي. وجدت الجثة بعيدا عن مسكنه، لكن المحققين لم يصلوا إلى من قتل الجندي ومن حمله ورماه بالساقية المذكورة، الأمر الحقيقي الوحيد في القضية أن التحقيق لم يصل إلى نتيجة، وأن الجندي مات ليلة زفافه دون الوصول لقاتليه. وللنساء نصيب من يستمع لجرائم مدينة أفورار الصغيرة يعتقد نفسه يتابع فيلما من أفلام الرعب، عند متابعته قصص الضحايا الذين ظلت هوية قاتليهم مجهولة بعد إعلان نتائج التحقيق لحد اليوم، لكن الفيلم يزداد إثارة كلما وقعت جريمة قتل بأفورار. ثالث الضحايا قتيلة، كل من يعرفها يقول «إنها امرأة كانت تمارس الدعارة وتتردد باستمرار على فندق معروف هنا، وقد شوهدت به قبل مقتلها ... وهي تتناول الخمر مع بعض الأشخاص وقد وجدت جثتها ملقاة بقناة للري على بعد ستة كيلومترات من أفورار». لم يسفر التحقيق عن أي شيء، رغم اعتقال مجموعة من الأشخاص الذين قضى بعضهم مدة رهن الاعتقال، وبعد ذلك أطلق سراحهم، ليبقى القاتل مجهولا. حظ النساء لم يكن أقل من الرجال في مقتل ووفيات أفورار. إذ يتذكر السكان موظفة توفيت بالفندق نفسه، وكانت تتحدر من مدينة سوق السبت المجاورة، وقد قيل إنها ماتت بسكتة قلبية، وأن أدوية لعلاج أمراض القلب تم العثور عليها من بين متعلقاتها. لكن الضحية الخامسة سيزيد الرواية إثارة، فهو أستاذ بسوق السبت، دخل إلى علبة ليلية بالفندق في أحد أيام شهر مارس97، وخرج من ذلك الفندق وهو جثة هامدة. قيل إنه سقط على رأسه ومات، بينما تؤكد رواية نشرتها جريدة يومية في حينه «أن حراسا (فيدورات) من ذوي العضلات المفتولة هم الذين ضربوه بعنف، وأن الوفاة كانت نتيجة لذلك». المجرم الشبح «الحوادث الخمس التي توفي أصحابها لم تتمكن أجهزة التحقيق من الوصول إلى الفاعل الحقيقي وتقديمه للمحاكمة، والأسئلة التي رافقت تلك اللحظة من ارتباط الجرائم بمكان واحد، سيكون الجواب عنه بعد قرابة أربع سنوات حيث توقف المجرم الشبح مدة استجمع فيها قواه، خصوصا بعد أن نوقشت جرائم أفورار إعلاميا. الجواب كان جرائم جديدة، لكن بطرق مختلفة هذه المرة، ففي صبيحة 21 أبريل من سنة 2001 ستستيقظ القرية على نبأ العثور على جثة امحند آيت أسفو وسط مقر الجماعة القروية. اعتدى عليه أشخاص بضربات قاتلة، ودفن مساء نفس اليوم الذي توفي فيه دون معرفة قاتليه، ليخلف عدة أبناء ولتموت والدته عيدة السعداوي بعده وعبارة واحدة كانت ترددها طيلة حياتها بعده «أنا لا أريد شيئا من الدنيا إلا أن أعرف من قتل ابني». بعد حادثة مقتل آيت أسفو امحند بسبعة أشهر، ستهتز المدينة الصغيرة أفورار على نبأ جريمة قتل جديدة في يوم رمضاني من أواخر شهر نونبر، حيث تم العثور على جثة الشاب عبد العالي الصديق العون بنفس الجماعة القروية التي قتل بها امحند أيت أسفو قبل أشهر. كانت جثته معلقة بشجيرة اللوز قرب الطريق الرئيسية على بعد أمتار من المنزل، وكان بجانبه حذاءه «وكشكول» نظيفان، رغم أن الجو كان ممطرا. علقت جثة الضحية بشجيرة اللوز بحبل معقود سبع عقد إلى الخلف، وأكد الطبيب الذي عاين الوفاة أنها وقعت في مكان آخر واستقدم إلى هنا. لم يكن عبد العالي منتحرا، وفتح تحقيق في الموضوع لكن نهايته كانت حفظ الملف لانعدام العنصر الجرمي، ليبقى القاتل مجهولا، رغم أن أحد أصدقاء الضحية تقدم بشكاية ضد شخصين أكد من خلالها أن أحدهما حذره من مغبة وقوع جريمة، فيما حذره الآخر أن يجد نفسه معلقا بشجيرة لوز قبل وقوع الحادث بثلاثة أشهر. الجندي الذي دفن مرتين بعد خمس سنوات من الهدنة بين القاتل الشبح وساكنة أفورار، سيتم العثور في صباح يوم ممطر في الطريق الثلاثية بين أفورار وأولاد مبارك ومراكش على جثة القتيل الجندي إدريس العلام، ثاني ضحية من سلك القوات المسلحة بأفورار، بعد الجندي الذي قتل ليلة زفافه. كانت الجثة ممزقة الأطراف. تم نقل الضحية إلى المركز الاستشفائي الجهوي قبل تسليمه لأسرته التي دفنته، معتقدة، كما أراد القاتل، أن إدريس ذهب ضحية حادثة سير لاذ مرتكبها بالفرار، لكن القدر كان يخفي مفاجأته في اليوم الثاني من تلقي العزاء، إذ أكد أحد المعزين وجود الضحية بالفندق المذكور ليلة وفاته في العلبة الليلية في ليلة راقصة قبل منتصف الليل. فتحت رواية الشاهد شكوك أقارب الضحية واتصلوا بالدرك الملكي، قبل أن ينتبه شقيق الضحية أن حاجيات أخيه كان ضمنها حذاؤه النقي، رغم أن الجو كان ممطرا. وفتحت هذه الجزئية باب التحقيق من جديد، فأمر وكيل الملك بإخراج الجثة وإجراء تشريح طبي. خرجت مسيرة غضب بالمدينة وطالبت الأحزاب والجمعيات والنقابات بالمدينة في بيان تاريخي بجواب عن نفس السؤال «من قتل هؤلاء؟». طالبت الهيئات المجتمعة بالكشف «عن حقائق هذه الوفيات الغامضة»، فيما تم اعتقال عاملين بالفندق المذكور بتهمة الضرب والجرح المفضي إلى الموت وإخفاء معالم الجريمة، على إثر إفادة الشاهد بكون القتيل قتل بالفندق المذكور على يد العاملين، ليتم اعتقال الشاهد بدوره بتهمة عدم التبليغ، بعدما أثبت تقرير الطبيبة الشرعية أن الأمر يتعلق بتلقي القتيل ضربة قوية في الرأس أودت بحياته. طالبت أسرة الضحية بمؤازرة المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة، فأبدت آنذاك استعدادها لمساندة العائلة، لكن أثناء الموعد المحدد كان البرلماني صاحب الفندق يخرج من ثكنة قصبة تادلة ممتطيا سيارته رباعية الدفع، لتجد العائلة أن النقيبة التي وعدتها بالاستقبال تطردها من مكتبها. بعد جلسات ماراطونية من التحقيق والتشويق، وبعد مقاضاة الفندق للجريدة الجهوية «ملفات تادلة»، التي آزرت عائلة الضحية ونشرت تحقيقا كاملا حول الموضوع، وبعد ثمان جلسات من المحاكمة استغرقت سنة كاملة، قضت محكمة بني ملال في فاتح مارس من سنة 2007 ببراءة المتهمين وعدم مؤاخذتهم، ليضاف ملف قضية الجندي إدريس العلام إلى ملفات الجرائم التي سجلت ضد مجهول بمدينة أفورار التي ستبقى مدينة صغيرة بجرائم كبيرة إلى أن يتم العثور يوما ما على من قتل هؤلاء.