عاد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من رحلته إلى الولاياتالمتحدة مع إملاء أمريكي هو تجميد المستوطنات ثلاثة أشهر، يتم فيها تفاوض عاجل في الحدود المستقبلية بين إسرائيل وفلسطين. ومن أجل تليين انطباع أن الحديث عن استسلام لضغط أمريكي، وتسهيل الموافقة على التجميد في حكومة إسرائيل، بُطِّن الإملاء بإغراءات سياسية وأمنية يمكن اختصارها على النحو الآتي: طائرات شبح لسلاح الجو، مقابل وقف تهرب نتنياهو. رفض نتنياهو الاقتراح الأمريكي قبل انتخابات مجلس النواب، لكنه أدرك الآن أن الألاعيب انتهت وعليه أن يرضى. هكذا سلك أيضا في حالات سابقة، لقي فيها مطالب مخصوصة من إدارة أوباما. فقد قال في البدء «لا» وأوضح أن له صعابا سياسية، وعندما أصر الأمريكيون تكمّش. هكذا كانت الحال في تبني «حل الدولتين»، وفي تجميد الاستيطان عشرة أشهر، وتأخير البناء في شرقي القدس وتخفيف الحصار عن غزة. لكن تحدي نتنياهو الآن أكثر تعقيدا مما كان عليه في الحالات السابقة. فطائرات «إف 35» ستهبط في تل-نوف وحتسريم بعد بضع سنين فقط، ويُعقد الاقتراح الأمريكي حياة رئيس الحكومة الآن. مع افتراض أن تتم الموافقة في إسرائيل على الاقتراح ويوافق الفلسطينيون على تجديد المحادثات، يثور سؤال ماذا سيحدث في اليوم الواحد والتسعين عندما ينقضي التجميد المضاف. هل يعرض نتنياهو اقتراحا مفصلا لتحديد الحدود؟ وماذا سيفعل الأمريكيون إذا لم يتوصل نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى اتفاق على الحدود في غضون ثلاثة أشهر؟ هل يحاول الرئيس باراك أوباما آنذاك أن يفرض عليهما خريطته؟ وإذا دام كلاهما على رفضه فكيف سترد الإدارة؟ والسؤال الثاني الذي تثيره الصفقة متعلق بالجبهة الإيرانية. في جلسة للحكومة مؤخرا، قال نتنياهو إنه في جميع لقاءاته في الولاياتالمتحدة «أثار قبل كل شيء الحاجة إلى وقف البرنامج الذري الإيراني». لا ترمي الطائرات الحربية التي وعدت بها الإدارة نتنياهو لتحمي إسرائيل من الفلسطينيين، بل إلى تعزيز ردع إيران. لكن حسب تقديرات الاستخبارات، ستصل إيران القنبلة الذرية قبل أن تُصبغ ال«إف 35» بألوان نجمة داود بكثير. هل ألمح نتنياهو للإدارة بأنه سيمتنع عن مهاجمة إيران مقابل الطائرات الحديثة واتفاق الدفاع الذي طلبه؟ يصعب افتراض أن الأمريكيين اقترحوا تذليل سلاح الجو بسلاح متقدم جدا من أجل تجميد الاستيطان ثلاثة أشهر فقط. من المعقول أكثر أنهم اقترحوا تعزيز الردع الإسرائيلي لمنع حرب في المنطقة. وربما العكس، هل يؤمن نتنياهو بأنه تحت ظل تجميد الاستيطان، وتجديد التفاوض وتحسن مكانة إسرائيل الدولية، يستطيع أن يهاجم إيران ويمتنع «العالم» عن تنديدات وعقوبات، في حين ينتظر سخاءً إسرائيليا على الفلسطينيين في الضفة الغربية؟ والسؤال الثالث والأكثر مباشرة، يتعلق بسلامة الائتلاف. إلى اليوم، أجاز نتنياهو جميع الإملاءات الأمريكية بالإجماع في اللجنة السباعية وفي المجلس الوزاري السياسي-الأمني المصغر. لم يتحمس الوزراء اليمينيون ولم يبيعوا الجمهور القرارات، لكنهم لم يثوروا على رئيس الحكومة علنا، غير أن الوضع الآن مختلف. فقد أعلنت «شاس» أنها ستمتنع، وأعلن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان «إننا لن نوافق حتى على يوم واحد من التجميد». إذا صوت ليبرمان مؤيدا أو امتنع، وليس مهما لأي علّة، فسيقولون إنه خرقة. لهذا يبدو أن نتنياهو سيواجه لأول مرة شقاقا في التصويت على قضية سياسية مهمة. إلى هذا بالضبط يسعى الأمريكيون: فهم يريدون أن يُبدّل نتنياهو الائتلاف، وأن يُدخل «كديما» في الحكومة بدل كتل اليمين، وأن يجعل تسيبي ليفني في وزارة الخارجية بدل ليبرمان. وهكذا سيُبيّن للعالم أنه جدي في مفاوضة الفلسطينيين. فضّل نتنياهو حتى الآن الحلف مع اليمين، خشية أن يسرق منه ليبرمان المصوتين، وأن تسعى ليفني إلى إسقاطه وتُسقطه عن الحكم إذا حاول التأليف بينهما. لكن عندما يقترب اليوم الواحد والتسعون قد لا يكون له مناص.