هذا ليس جديدا. هذه الدولة الخاصة، التي في صبانا أملنا في أن تكون الدولة العربية الأولى التي ستصنع السلام معنا. هذه التي بضعفها أتاحت قيام «فتح لاند» ولم تمنع سيطرة حزب الله توشك على التفكك. أُم كل الأخطاء وقعت قبل تسعين سنة، عندما أقامت فرنسا «لبنان الكامل»، بدلا من الاكتفاء بجبل لبنان للمسيحيين المارونيين. وهكذا تقرر مصير لبنان، مصير حرب طائفية دائمة، حلول مؤقتة وغزوات خارجية. على مدى400 سنة ظلت لبنان وسورية تحت الحكم العثماني. في معظم الأراضي، كان يعيش المسلمون، وفي جبل لبنان عاش المسيحيون، ولاسيما المارونيون. في 1860، نزل المارونيون إلى منطقة جبل لبنان، الذي كان يسكنه حتى ذلك الحين الدروز أساسا، وبدأ صراع دموي بين الطائفتين، في أثنائه ذبح الدروز المسيحيين. واضطر الأوربيون إلى إنقاذ المسيحيين، وفرضوا على العثمانيين إقامة حكم ذاتي للمسيحيين في جبل لبنان. وأصبحت المنطقة «فرنسا الصغرى» وتحدث سكانها الفرنسية، وطوروا ثقافة غربية ليبرالية وأقاموا مؤسسات اقتصادية تحت رعاية أجنبية. في 1943، حصل لبنان على الاستقلال. المسلمون فضلوا أن يكونوا جزءا من سورية. المسيحيون رأوا أنفسهم جزءا من الغرب. في النهاية، قبل المسلمون بالترتيبات الدستورية (رئيس مسيحي، رئيس وزراء مسلم ورئيس أركان درزي)، والمسيحيون وافقوا على الارتباط بالجامعة العربية. وبدا لبنان كقصة نجاح، غير أن لعبة الطائفية أكلته. في 1958، اندلعت حرب أهلية عندما طلب الرئيس المسيحي كميل شمعون فترة ولاية أخرى. وقف المسلمون ضده، يساندهم الرئيس المصري عبد الناصر. وحتى الجيش الأمريكي تدخل ومكث جنوده في لبنان لأشهر طويلة إلى أن تحقق حل وسط بين الطوائف. برعاية الرئيس فؤاد شهاب، واصل لبنان النمو الاقتصادي. غير أن النجاح جلب معه فوارق اجتماعية، كانت تتطابق مع الانقسام الطائفي: المسيحيون اغتنوا، والمسلمون ابتعدوا عنهم جدا. التوتر اشتد، منظمات فلسطينية استغلت الوضع وبدأت تعمل من لبنان ضد إسرائيل. وعندما طردت منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن في 1970، استدعى ضعف لبنان انتقالها إلى هناك، وإقامة «فتح لاند». في الحرب الأهلية في 1975 ساندت منظمة التحرير الفلسطينية المسلمين. وعندما طلب المسيحيون من سورية التدخل، فقد كانت هنا لصد منظمة التحرير الفلسطينية. في 1976، دخلت سورية إلى لبنان ونجحت في إحلال الهدوء، ولكنها فعلت ذلك بثمن السيطرة على الدولة. مؤسسات الحكم اللبناني فقدت معناها، وكل طائفة انطوت على ذاتها، وأقامت مؤسساتها وميليشياتها. سورية صعدت سيطرتها على الدولة، وساعدت على أن تحقق في 1989 اتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب الأهلية، وزاد صلاحيات رئيس الوزراء المسلم، وألزم بتفكيك الميليشيات ونزع سلاحها، ولكنه لم ينجح في نزع سلاح حزب الله. في أعقاب اغتيال رفيق الحريري، ترك الجيش السوري لبنان في 2005. الكتلة السياسية برئاسة ابن الحريري، سعد، فازت في انتخابات 2005 و2008، ولكن ليست لديها أغلبية وهي متعلقة بحزب الله. إذا ما اتهمت المحكمة الدولية حزب الله بالمسؤولية عن الاغتيال وإذا لم يتنكر الحريري لاستنتاجاتها، فمن شأن لبنان أن يشتعل. يدور الحديث عن زمن قصير. حزب الله يشعر بريح إسناد من سورية ومن إيران. لبنان بقي دولة مصطنعة حقا مثلما قبل تسعين سنة، وهو كفيل بأن ينهار بسرعة ويصبح تهديدا كبيرا جدا علينا. وداع لبنان من شأنه أن يحصل قريبا، وأنا غير مقتنع بأن إسرائيل مستعدة للسيناريوهات المحتملة.