إحدى القضايا المركزية التي أطورها في كتاب جديد عن الذرة الإسرائيلية، والذي صدر في الولاياتالمتحدة الآن، هي أن ثقافة الغموض الذري أنشأت حياة عامة إسرائيلية جاهلة، تحريمية في شؤون الذرة. نمّى الغموض وضعا نخاف فيه في هذه الموضوعات ظل أنفسنا، وجهلا في الحقائق يعزز المخاوف الهاذية التي تلاشت منذ زمن. في يوم الجمعة الأخير، فوق صفحات هذه الصحيفة وتحت عنوان «نبش ذري»، أثبت الصحافي دان مرغليت في زاويته ما قلته الآن. لم يقرأ مرغليت صفحات كتابي الجديد ال412، وهو مع ذلك كله مقتنع بأن «أبحاثي كشفت عن أسرار المشروع الذري الإسرائيلي». ليس عندي سوى أن أطمئن، فثمة فرق بين الأسرار الذرية الحقيقية وبين البحث الأكاديمي. وبكامل الصدق أقول: ليست عندي أي قدرة على الوصول لما يسميه مرغليت «الأسرار الذرية». يخشى مرغليت أن تغرز أبحاثي دبوسا في بالون الغموض. لكن لا أحد في الحقيقة يحتاج إلى أبحاثي من أجل ذلك. فكثيرون خارج إسرائيل يرون أبحاثي الأكاديمية تعطي الذرة الإسرائيلية «بحسب نشرات أجنبية» الشرعية. ماذا نفعل إذا كان الكتاب أكثر تركيبا وتنوعا بكثير من الاقتراح التبسيطي الذي ينسبه مرغليت إليه، وهو أن على إسرائيل أن تعلن عن نفسها أنها قوة ذرية. أولا، يكرر كتابي القول إن الغموض سياسة تآلفية إسرائيلية أمريكية، ولهذا لا تستطيع إسرائيل أن تغيرها وحدها ولو شاءت ذلك. وإلى ذلك، يرى الكتاب عملية الإعلان السياسي نقطة نهاية إجراء طويل لإنشاء «صفقة جديدة» بين إسرائيل والذرة، وهي صفقة لها عناصر داخلية ودولية أيضا، وعلى أية حال ليست مسألة إعلان فقط. وثانيا، يؤكد الكتاب أنه لا توجد عند أحد ولا عند كاتبه صيغة عجيبة في جيبه تقول كيف نخرج من الغموض. على كل حال، ليس الحديث عن استلال سياسي على صورة «ضربة خاطفة وانتهينا». فالكتاب يرى ترك الغموض تحديا مركبا يقتضي كثيرا من التفكير السياسي الخلاق، وينبغي ربطه بتغييرات استراتيجية أخرى إقليمية، وربما عالمية. يجب أن تكون مضاءلة الغموض موضحة لا مع أنفسنا فحسب بل مع آخرين ذوي اهتمام، ولاسيما مع أولئك الذين أنشؤوا الغموض ودافعوا عنه أي الولاياتالمتحدة. نقطة انطلاقي هي الاعتراف بأن الغموض يعبر عن فكرة أكل عليها الدهر وشرب، ربما كانت سائغة حكيمة في زمانها، لكنها أصبحت مع السنين عبئا سياسيا. وأسباب ذلك أن الغموض يدع إسرائيل في موقف دفاعي سياسي متصل، وأن الغموض يحدث انطباعا (مخطئا) وكأن عملنا الذري (حسب نشرات أجنبية) مصاب بالإثم. ويتناول الغموض أيضا القضية الذرية على أنها ثقب أسود بغير شرعية في الداخل والخارج، وهو ينشىء مملكة سرية، عملُها الحفاظ على سر لم يعد سرا منذ زمن، والغموض أيضا يبطل فهمنا لإجراءات السلام والحرب، وهو اليوم يجعل من الصعب علينا أن نفكر في وضوح بالتحدي الذري الإيراني. كان بن غوريون، الهاذي بالذرة الإسرائيلية، هو الذي أمل، كما يبدو، في أن تساعدنا الذرة على العيش في حياة طبيعية كشعب. وقد آمن بأن الذرة ستكون مكانا آمنا في الشدائد، ولهذا ستقلل مخاوفنا الوجودية. لكن يبدو أن الغموض جعل إسرائيل شبحا ذريا. وبمخاوفنا بقينا في ذلك. إن الخوف الذي يعبر عنه مرغليت من إزالة الغموض يجسد الفرق بين الشأن الفلسطيني والشأن الذري. ففي حين أن إسرائيل في الشأن الفلسطيني تتحدى، بوضوح، العالم كله والمعايير والمواضعات الدولية، فإننا في الشأن الذري مثل ورقة في مهب الريح. والمفارقة الساخرة أن العالم في الشأن الذري خاصة أكثر ودا وراحة مع إسرائيل مما هو في الشأن الفلسطيني.