في خطاب حاد ومتوعد آخر، هدد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، أول أمس الخميس، ب«قطع اليد التي ستمتد» إلى أي من عناصر حزب الله أو قياداته لتوقيفهم في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. وقال نصر الله، في كلمة ألقاها عبر شاشة عملاقة في احتفال في الضاحية الجنوبية لبيروت بمناسبة «يوم شهيد حزب الله»: «يخطئ من يتصور أن المقاومة يمكن أن تقبل أو تسلم بأي اتهام لأي من مجاهديها أو قيادييها أيا تكن التهويلات والتهديدات والضغوط». ويشير نصر الله بهذا الكلام إلى كل من وصفهم بال«مستعجلين لصدور القرار الظني» عن المحكمة الدولية المكلفة بالنظر في اغتيال الحريري، والذي تتحدث تقارير عن احتمال تضمنه اتهاما للحزب الشيعي بتنفيذ الجريمة، مؤكدا أن «المقاومة ستدافع عن نفسها أمام أي اتهام» يتضمنه القرار الظني المنتظر صدوره عن المحكمة الخاصة بلبنان. ودعا نصر الله اللبنانيين إلى التحاور حول «كيفية الوصول إلى الحقيقة» في قضية رفيق الحريري، وإلى التجاوب مع المسعى السعودي السوري الذي يحاول إيجاد مخرج من الأزمة القائمة في البلاد والمتمحورة حول الانقسام بين فريق حزب الله وفريق رئيس الحكومة سعد الحريري بالنسبة إلى الموقف من المحكمة الدولية. خطاب الأمين العام لحزب الله، الذي أثار تصفيق مناصريه وهتافاتهم، أكد خطأ «من يتصور أن المقاومة، أمام أي اتهام، لن تدافع عن نفسها وعن كرامتها إذا اعتُديَ عليها، وبالطريقة التي ستختارها مع حلفائها (...) في المعارضة الوطنية اللبنانية». واعتبر أن المحكمة الدولية تشكل «فصلا جديدا من فصول استهداف المقاومة». واتهم خصومه في الداخل، في إشارة واضحة إلى قوى 14 آذار التي يعتبر رئيس الحكومة أبرز أركانها، بأنهم مشاركون مع الأمريكيين والإسرائيليين في هذا الاستهداف. وأكد أن بعض القيادات اللبنانية طالبت الأمريكيين، خلال حرب يوليوز 2006، بإطالة أمد الحرب بهدف القضاء على المقاومة، وأن لبنانيين استغاثوا أخيرا بالأمريكيين لتخريب مسعى سعودي سوري يحاول إيجاد حل للأزمة الحالية. وقال إن «صمود لبنان والمقاومة والشعب والجيش والأبطال والقلاع الشامخة، وليس الخونة، هم الذين أوقفوا الحرب على لبنان». وأكد أن قبول الأمريكيين أخيرا بالذهاب إلى مجلس الأمن جاء «إنقاذا لإسرائيل»، مضيفا قوله: «لو أكملت الحرب لرأيتم مشهدا آخر وهزيمة أكبر». وكان مجلس الأمن الدولي أصدر في 14 غشت 2006 القرار 1701 الذي وضع حدا لنزاع استمر 33 يوما بين حزب الله وإسرائيل وتسبب في مقتل أكثر من 1200 شخص في الجانب اللبناني وأكثر من 160 شخصا في الجانب الإسرائيلي. كما اتهم نصر الله قوى 14 آذار برفض إحالة «شهود الزور» في قضية الحريري على القضاء، لأن «ملف شهود الزور سيوصل إلى رؤوس كبيرة وإلى أكبر فضيحة سياسية في تاريخ لبنان والمنطقة، لذلك تقدمون الحماية لشهود الزور». ويطالب حزب الله وحلفاؤه الحكومة بإحالة مسألة «شهود الزور» على المجلس العدلي، وهو محكمة تنظر في قضايا استثنائية تهدد أمن الدولة وقراراتها غير قابلة للتمييز، وذلك بحجة أن هؤلاء الشهود تسببوا بتسييس التحقيق الدولي في اغتيال الحريري، إلا أن فريق الحريري يرفض ذلك. ووضع نصر الله في ختام خطابه الطويل، الذي استمر أكثر من ساعة ونصف الساعة، «اللبنانيين أمام فرصة ذهبية لإنقاذ بلدهم مما يخطط له الأمريكي والإسرائيلي»، وقال: «اللبنانيون بين خيارين: بين أن يسلموا بلدهم إلى (مسؤول ملف الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية، جيفري فيلتمان) و(وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون) (...)، أو أن تكون لدينا إرادة وعزم وشجاعة أن نجلس إلى الطاولة ونتصارح بالحقيقة ونتعاون مع السعودي والسوري للوصول إلى معالجة». ويتهم حزب الله المحكمة الدولية بأنها «أداة» في يد إسرائيل والولاياتالمتحدة. وقد دعا نصر الله في 28 أكتوبر اللبنانيين إلى «مقاطعة» التحقيق الدولي، معتبرا أن أي تعاون مع المحققين الدوليين هو «اعتداء على المقاومة». وشهد لبنان، خلال الأسابيع الأخيرة، زيارات قام بها الموفد الأمريكي جيفري فيلتمان ووزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير والسيناتور الأمريكي جون كيري الذين أكدوا دعمهم لاستمرار عمل المحكمة الدولية. وفي أول رد فعل أمريكي غير مباشر، حذرت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، حزب الله من اللجوء إلى العنف لتقويض المحكمة الدولية التي تنظر في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وقالت كلينتون، في مقابلة مع صحيفة «النهار» نشرتها أمس الجمعة: «يجب أن يدرك حزب الله أن اللجوء إلى العنف في لبنان يتعارض كليا مع مصالح لبنان، ومصالح الشعب اللبناني، ومصالح المنطقة، ومصالح الولاياتالمتحدة». وقالت كلينتون: «يجب عليهم أن يعلموا أيضا أنه إذا كان هدف العنف هو وقف المحكمة، فإن هذا لن يتحقق. والأمر الأهم من ذلك هو أنه، بكل بساطة، ليس هناك أي عذر لعنف سياسي أكثر. هذا هو موقف الولاياتالمتحدة، ولن يتغير». واعتبرت كلينتون أن «التأييد الأمريكي للبنان سيد ومستقل ومستقر هو صلب مثل الصخور وغير قابل للاهتزاز. نحن ملتزمون بشراكة قوية مع لبنان ومستقبله، ونحن على اتصال وثيق بقادة لبنان ونتشاور معهم دوريا. ولهذا السبب سنواصل التحدث ضد الذين يقوضون استقرار لبنان وسيادته. وسنواصل تشجيع الأطراف داخل لبنان وفي المنطقة ليتحركوا بشكل مسؤول من أجل خدمة مصالح الشعب اللبناني». وأضافت قولها: «عندما تصدر عن طرفٍ مواقفُ مثيرة للفوضى وتنتهك الأعراف الدولية، نشعر بأنه من المهم أن نقول علنا ما نعتقد أنه صحيح، أي أن اللاعبين المسؤولين على المسرح الدولي يجب أن يعملوا في اتجاه المساعدة على حل النزاعات، لا إعادة تأجيجها. وعليهم تنفيذ التزاماتهم وتحمل مسؤولياتهم وليس السعي إلى التهرب منها».