لم يكن من العبث أن تكون الدراسات الدينية المقارنة عند علمائنا القدامى عميقة عمقا شهد به الأتباع والخصوم، حيث كانت أحكامهم لا تنبني فقط على ما هو مزبور في المصنفات، بل كثيرا ما خالطوا أهل الملل والنحل والديانات المخالفة، للاطلاع على عقائدهم وأفكارهم عن قرب. وفي زماننا هذا، حيث كثرت الفرق الضالة، التي تتستر بالإسلام، صرنا أحوج إلى مخالطة هذه الفرق، لمعرفة أفكارها وتوجهاتها عن قرب. ومن هذه الفرق الضالة، القاديانية، التي رأيت من الواجب مخالطتها لثلاثة أمور: - أن معابدهم ومراكزهم في إسرائيل، وفي الدول الأوربية والأمريكية، وسائر الدول التي تحتضنهم، تكتب في أول واجهاتها كلمة التوحيد. - أن الحيرة تذهب بك كل مذهب، عندما تقف بين مَن يكفِّرها، وبين دعوى أنصارها أنهم مسلمون، لاسيما عندما تراهم، يصلون، ويصومون، ويحجون. - أن خصومهم ينسبون إليهم القول بنبوة مهديهم غلام أحمد القادياني، بيد أنهم ينفون هذه التهمة، ويدعون أن مقصودهم «النبوة الظلية»، كما سنرى. أمام موقف شائك من هذا القبيل، رأيت من المسؤولية الملقاة على عاتقي، أن أخوض تجربة مخالطتهم، فراسلتهم للحصول على بعض منشوراتهم، ثم بدأت أفكر في السفر إليهم لمعرفتهم عن قرب، فكانت الفرصة سانحة ، عندما اتصل بي أحد أتباعهم في يوليوز 2007، يدعوني للحضور إلى اجتماعهم السنوي الذي يعقدونه في لندن. وهكذا شددت الرحال إليهم، برفقة مغربي، واستقبلونا، ونظموا لنا لقاءات مع الخليفة الخامس لمهديهم، وهو أحمد مسرور، وقد التقطوا لنا صورا معه، بدون أي استئذان منا، وأنا لذلك كاره، ولست أدري ما مصير تلك الصور، وإن كنت لا أشك في أنهم سيوظفونها لصالحهم، وسيتلاعبون بها، تأليفا وتركيبا، بما يخدم طائفتهم، ولكن ذلك لا يضيرني شيئا ما دام قصدي هو خدمة إسلامنا الحبيب. بيد أن الرحلة لاجتماعهم السنوي، لم تكن كافية لمعرفة أسرار القوم، إذ غلب عليها الطابع الإشهاري، وإن كنت رأيت فيها من المكر والخبث ما سأذكره، فألفيتني مجبرا للرحلة تارة أخرى إليهم في لندن، في فترة يقل فيها الضجيج، فكانت الفترة التي اصطفيتها هي العشر الأواخر من رمضان المصادفة للسنة المذكورة أعلاه، وقد ذهبت برفقة مغربي آخر من مراكش يعتنق ديانتهم. وأول نتيجة استنتجتها، من خلال هذه التجربة، أن كل ما نسبه إليهم علماء الإسلام صحيح، فهم قد كفوني الجانب النظري في الرد عليهم، لكن هناك أمور أخطر لم يعرفوها، لعدم مخالطتهم. ويمكن أن أجمل عقائدهم، التي وقفت عليها عيانا، فيما يلي: 1 - تأسيس مذهبهم على الكذب والتمويه. فمن أمثلة الكذب، ادعاؤهم أن عددهم يتجاوز مائة وخمسين مليونا، والحال أنهم أقل من خمسة ملايين. ومن قبيل ذلك أيضا، أن المراكشي الذي رافقني، سألته عن عدد المعتنقين لجماعتهم في المغرب، فأجابني بأنه يصل إلى ثلاثة وسبعين، لكن عندما التقينا بالخليفة الخامس لجماعتهم في مكتبه بلندن، أخبره بأن عددهم ثلاثة وأربعون. ومن أمثلة التمويه، استغلال وضعية المهاجرين غير الشرعيين، خاصة من الهنود، والباكستانيين، والأفارقة، والعرب، لاستقطابهم، فهم بالنسبة لهم صيد ثمين جدا. 2 – أن التعطش إلى سفك الدماء متأصل فيهم، وهذا قد يبدو غريبا، حيث يعتبرون أنفسهم دعاة للسلام والمحبة. ومن تجليات ذلك أن أحدهم قال لي: «لقد أرسل إلينا أحدهم رسالة يقول فيها: لماذا تقتلون أتباعكم الذين يرتدون عن جماعتكم؟»، فأجابه: «يا أخي، نحن دعاة محبة وسلام، فكيف يعقل أن نقتل أحدا؟!». 3 – التقية: وهي عندهم تمارس بأبشع أشكالها، ومن خلالها استطاعوا، بمكر ودهاء، أن يصنعوا خطابين متناقضان، لكنهما متناقضان، حيث يعتقدون أمورا ويدعون أمام سائر المسلمين أنهم على خلافها. ومن تجلياتها عندهم، أنهم في منشوراتهم يقررون أن غلام أحمد القادياني ليس نبيا بمعنى «نبوة التشريع»، وإنما النبوة التي ادعاها لنفسه تعني «النبوة الظلية»، المرادفة لما يعرف عند المسلمين ب «الولاية»، أو «الوراثة». والصحيح أنهم ينسبون إليه، فيما بينهم، نبوة الوحي والتشريع، وصرحوا لي بذلك تصريحا قطعي الدلالة. 4 – توظيف أي علاقة مع المسلمين، ولو كانت عارضة لا يُؤْبَه لها، في خدمة جماعتهم، بشتى أشكال الوسائل، وأهمها توظيفها إعلاميا في قناتهم الفضائية، وفي منشوراتهم المشحونة بالكذب والتمويه. من ذلك؛ مثلا؛ أن أحد القادة العرب رحمه الله، المعروفين بتشبثهم بعقيدة أهل السنة، التُقِطت له صورة يُسَلِّم فيها على وزير الخارجية الباكستاني الأسبق ظفر الله خان الذي كان قاديانيا. فوظفوها أيما توظيف، وما زالوا ينشرونها في إعلامهم ومنشوراتهم إلى الآن. بعد هذا العرض الوجيز لعقائد القوم، التي وقفت عليها بمخالطتهم، والتي ذكرتها على جهة المثال لا الحصر، يمكن تسجيل النتائج التالية: أ - أن هذه الطائفة، وإن ادعت الإسلام، وعلقت يافطة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» على مراكزها ومعابدها، فهي دين آخر، لا علاقة له بالإسلام، والاسم الذي يليق نعتهم به، هو «الديانة القاديانية»، وإرضاءً لهم نقول «الديانة الأحمدية»، حيث يكرهون أن يُنْعَتوا ب «القاديانيين». ب - أنها حليف استراتيجي للصهيونية العالمية، وعضو نشيط جدا في خدمة الاستعمار العالمي، وقد التقيت بالكثير من ضيوفهم في جلستهم السنوية من إسرائيل. ج – أن أبغض الناس إليهم هم أهل السنة والجماعة، ولو قدر الله تعالى أن يتسلطوا عليهم لقطعوا رقابهم، ولسفكوا دماءهم، بلا رحمة ولا هوادة. ومن ملامح كراهيتهم لهم، أنهم لا يجيزون الصلاة وراءهم، وقد رأيت ذلك عيانا. د – أن القاديانية هي الأفعى التي تعض خاصرة العالم الإسلامي، بل إنها أخطر من سائر الطوائف الضالة، كالبهائية مثلا.