يواجه العالم العربي، خلال السنوات القليلة القادمة، كارثة بيئية كبيرة ومخاطر جمة تتمثل في نقص هائل في الماء والغذاء. وفي تحذير عالي المستوى، أكد المنتدى العربي للبيئة والتنمية، الذي عقد مؤتمره السنوي وأصدر تقريره الثالث في العاصمة اللبنانية بيروت في 4 نوفمبر الماضي، أن العرب سيواجهون -بحلول عام ألفين وخمسة عشر، أي خلال خمس سنوات فقط- وضعية «ندرة المياه الحادة»، حيث ستنخفض الحصة السنوية للفرد العربي إلى أقل من 500 متر مكعب من المياه سنويا، وهذا الرقم يقل عشر مرات عن المعدل العالمي الذي يتجاوز ستة آلاف متر مكعب للفرد سنويا، تمثل كافة حاجاته من الطعام والشراب. ولبيان حجم هذا الخطر، فإن حاجة الإنسان العربي إلى الماء لا تعني حاجته فقط إلى مياه الشرب، وإنما يجب أن نعرف أن فنجانا واحدا من القهوة يحتاج إلى 140 لترا من المياه لإنتاج ملعقة البن الذي يحضر منها، بينما يحتاج إنتاج كيلوغرام واحد من القمح إلى ألف وثلاثمائة لتر من المياه، بينما يحتاج كيلوغرام من لحم العجل إلى خمسة عشر ألف لتر من المياه. ولنا أن نتخيل حجم حاجتنا من المياه في كل ما نأكله ونشربه إذا علمنا بأن الدول العربية تقع في المنطقة الأكثر جفافا في العالم، حيث إن سبعين في المائة من مساحة العالم العربي مناطق صحراوية قاحلة. فوفق تقرير للبنك الدولي صدر في عام 2007، فإن نصيب الفرد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هو الأقل عالميا من حيث الحصول على المياه العذبة المتجددة، بينما تحتل أستراليا ونيوزيلندا النصيب الأوفر تليها أمريكا الجنوبية ومنطقة الكاريبي. وفي الوقت الذي خطا فيه العالم خطوات هائلة في وسائل وأساليب استخدام المياه العذبة في الري، نجد أن كثيرا من الدول العربية، وعلى رأسها مصر، لازالت تستخدم نفس أساليب الري التي كان يستخدمها قدماء المصريين قبل آلاف السنين، مما يؤدي إلى هدر 75 في المائة من مصادر المياه حسب دراسة أجراها العالم المصري البارز الدكتور إبراهيم كامل، حيث أكد أنه بنفس قدر المياه المتاح في مصر يمكن مضاعفة الرقعة الزراعية أربع مرات وزيادة مساحة الأرض المزروعة إلى ثمانية وعشرين مليون فدان لو أحسنّا استخدام موارد المياه التي بين أيدينا، حيث إن نصيب مصر من مياه النيل، وفق الاتفاق الأخير الذي وقعته دول حوض النيل ورفضت مصر التوقيع عليه، سوف ينخفض بنسبة خمسة في المائة، مما يعني زيادة الكارثة التي تتعلق بما تعانيه مصر من نقص المياه وتحول الأمر إلى نكبة خلال السنوات القادمة ما لم يتحرك المسؤولون المصريون لتدارك الأمر. وإذا كان العالم العربي يستخدم خمسة وثمانين في المائة من موارده المائية في الزراعة، فلنا أن نتخيل حجم الهدر الذي يحدث بسبب عدم الأخذ بوسائل الري الحديثة في وقت تزداد فيه الحاجة إلى المياه في المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة التي تفرضها زيادة السكان. والأمر لا يقف عند مصر وحدها بل يتخطاها إلى معظم الدول العربية. ولنا أن ندرك حجم الكارثة التي ستحل بالعرب إذا علمنا بأن عدد الدول التي تعاني من الفقر المائي عالميا هي تسع عشرة دولة، منها ثلاث عشرة دولة عربية. ومع التغيرات المناخية التي تعصف بالعالم، فإن الأنهار الرئيسية في العالم العربي سوف تتعرض لنقض هائل وحاد في المياه، فالتقرير السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية يؤكد أن تدفق نهر النيل في مصر سوف ينخفض إلى النصف، بينما ينخفض جريان نهر الفرات في العراق بنسبة ثلاثين في المائة، أما نهر الأردن فإن جريانه سوف ينخفض بنسبة ثمانين في المائة، هذا في الوقت الذي تنبع فيه غالبية هذه الأنهار من دول مجاورة في ظل غياب اتفاقات تحدد الاستخدام الجماعي لهذه الموارد الهامة. ولا يقف الأمر عند حد الدول التي لديها أنهار ومياه طبيعية متجددة، وإنما المشكلة أكبر في الدول الخليجية التي تعتمد على تحلية المياه، فقد أكد التقرير أن ما نسبته 50 في المائة من المياه المحلاة على مستوى العالم تتم في المنطقة العربية، كما أن هذه الدول تعتمد على تكنولوجيا، سواء كانت قديمة أو حديثة، تزيد ملوحة الخلجان أو المناطق البحرية التي تستخدم المياه منها وتزيد درجة حرارتها، مما يؤدي إلى مضار كبيرة للبيئة البحرية. وقد أكدت الدراسات أن القسم الأكبر من هذه المياه المحلاة لا يستخدم بشيء فيه منافع كبيرة للناس، حيث إن أغلبه يستخدم في ري ملاعب الغولف والمنتجعات، كما أن الإنسان الخليجي الذي لديه ندرة كبيرة في المياه العذبة المتجددة هو الأكثر استخداما للمياه في العالم، حيث إنه يستخدم يوميا ما بين ثلاثمائة إلى سبعمائة وخمسين لترا من الماء يوميا، وهو المعدل الأعلى عالميا في استخدام المياه، أما الدول الخليجية فإن قيمة ما تنفقه الآن على تحلية المياه ومحطات الكهرباء يعادل ما نسبته 25 في المائة من دخل النفط، وهذه الأرقام مرشحة للزيادة في ظل الزيادة السكانية والطلب الإضافي على الماء والكهرباء، أما المياه الجوفية فإن ما تتعرض له لا يقل خطورة عن باقي المصادر الأخرى حيث يتم سحب كميات هائلة منها دون رقابة أو حساب. هذه المعطيات التي يوفرها التقرير السنوي الثالث للمنتدى العربي للبيئة والتنمية مع دراسات وبيانات علمية دقيقة لأبرز العلماء العرب في مجال البيئة يدق ناقوس خطر كبير، ويدعو الحكام العرب والحكومات العربية إلى أن تتداعى وتجعل أولويتها الآن هي المياه، لأن المياه مصدر الحياة. وكما يقول العلماء فإن المشكلة ليست الآن في المعلومات أو العلماء وإنما هي في القرار السياسي، فإن لم يتم اتخاذ قرارات سياسية نافذة فإن النكبة المائية للعالم العربي قادمة، ولم يعد بيننا وبينها قرون أو عقود وإنما خمس سنوات فقط.