شل الإضراب الوطني الإنذاري -الذي خاضته، أمس الأربعاء، خمس نقابات، احتجاجا على السياسة الاجتماعية لحكومة الاستقلالي عباس الفاسي - قطاعات حيوية بالوظيفة العمومية. وبدت مظاهر الإضراب بشكل جلي في القطاعات ذات الصلة المباشرة بالمواطنين، كالجماعات المحلية والقضاء والصحة، حيث تعطلت مصالح المواطنين الإدارية بعدما لم يلتحق أكثر من 85 في المائة من موظفي هذه المصالح بمكاتبهم. وفي المستشفيات، اضطر المئات من المرضى، ممن كانت لديهم مواعيد مقررة أمس الأربعاء، إلى الرجوع إلى بيوتهم بعد أن ألغيت تلك المواعيد بسبب الإضراب، وهو ما أثار حفيظة بعضهم. وحسب عبد القادر طرفاي، القيادي في الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، فإن موظفي قطاع الصحة على الصعيد الوطني استجابوا للإضراب بنسبة تناهز 85 في المائة، باستثناء العاملين في مصالح المستعجلات والإنعاش وأقسام الولادة وتحاقن الدم، بالنظر إلى أن «دواعي الإضراب والحاجة إلى الاحتجاج قائمة». وقال، في اتصال مع «المساء»، تعليقا على انعكاسات الإضراب على المواطنين، إن «تأثير فشل المنظومة الصحية على المواطنين أكبر من تأثير يوم إضراب واحد. وعلى كل حال، فإن تحركاتنا تروم، بدرجة أولى، تحسين ظروف العمل قبل أن تكون دفاعا عن مجرد مصالح مادية للعاملين بالقطاع». إلى ذلك، بلغت نسبة نجاح الإضراب في قطاع الوظيفة العمومية -الذي دعت إليه نقابات الاتحاد المغربي للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، قبل أن تعلن المنظمة الديمقراطية للشغل التحاقها بصفوف المضربين- ما بين 85 في المائة و90 في المائة. ووفق العربي الحبشي، القيادي بالفيدرالية الديمقراطية للشغل، فقد استجاب لدعوة الإضراب ما يربو عن 90 في المائة من موظفي قطاعات التعليم والعدل والجماعات المحلية والمالية والتخطيط والصحة والصناعة التقليدية، فيما لقي الإضراب استجابة من لدن 60 في المائة من موظفي قطاع الثقافة، و70 في المائة من المشتغلين في قطاع الطاقة والمعادن. أما على صعيد المدن والأقاليم، فقد احتلت، إلى حدود الساعة الحادية عشرة من صباح أمس، كلٌّ من فاس وأكادير وآسفي وتطوان وسيدي قاسم والناظور ومكناس الصدارة من حيث الاستجابة للإضراب، فيما سجلت نسبة 85 في المائة في مدن تادلة ووجدة، ونسبة 80 في المائة في العرائش والقنيطرة. وفيما التزمت وزارة تحديث القطاعات العمومية، التي يرأسها الوزير الاستقلالي سعد العلمي، الصمت إزاء الإضراب، وصف حميد شباط، الكاتب العام لنقابة الوزير الأول، إضراب 3 نونبر ب«الناجح»، ملقيا باللائمة في ما وصلت إليه الوضعية الاجتماعية من احتقان على ما سماه «الحكومة الإدارية والمالية»، وقال ل»المساء»: «على الحكومة السياسية أن تتحرك، لأن الشعب المغربي هو الذي صوت عليها، للوقوف في وجه الحرب التي تشنها الحكومة الإدارية والمالية ضد الطبقة العاملة، والتي تجلت في تصريحات مسؤولين، من قبيل والي بنك المغرب الذي حذر من مغبة الاستجابة لمطالب النقابات والشغيلة»، مشيرا إلى أن جميع وسائل الضغط على الحكومة مطروحة بما في ذلك المسيرة العمالية المؤجلة. واعتبر العربي الحبشي، القيادي في الفيدرالية، أن الاستجابة للإضراب كانت واسعة ومكثفة، بالرغم من «بعض الضغوط التي مورست في بعض المناطق وفي قطاعات من قبيل المالية والجماعات المحلية»، مشيرا إلى أن إضراب 3 نونبر «هو رسالة تنبيه موجهة إلى الحكومة من أجل تحمل مسؤوليتها كاملة، وفتح باب الحوار الجدي الذي ننتظره منذ بداية شتنبر». وحذر الحبشي من مغبة لجوء الحكومة أو بعض القطاعات إلى الاقتطاع من أجور المضربين، مبديا استغرابه تأسف خالد الناصري على مآل الحوار الاجتماعي فيما كان الأولى أن يكشف عن أسباب تأخر الحكومة، إلى حد الساعة، في الدعوة إلى جولة شتنبر. في السياق ذاته، احتج نحو 700 موظف وموظفة، ينتمون إلى المنظمة الديمقراطية للشغل، أمام مقر البرلمان صباح أمس الأربعاء، بتزامن مع الإضراب الوطني الذي خاضته النقابات في قطاعات الوظيفة العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري. وردد المحتجون خلال الوقفة شعارات تهاجم السياسة الاجتماعية للحكومة من قبيل: «شوف بعينك شوف المشاكل، المشاكل بالألوف.. المشاكل قائمة والحكومة نائمة»، «زيرو الحكومة المغربية، زيرو السياسة الاجتماعية»، «هذا المغرب الجديد، مغرب التفقير والتشريد.. هذا مغرب التقشف شي ياكل شي شوف». محمد النحيلي، القيادي في المنظمة، اتهم الحكومة بكونها «لا تعير الحوار الاجتماعي أية أهمية، بل حولته إلى مجرد حوار شكلي، ومن طرفٍ واحدٍ، من خلال لجوئها إلى الإعلان عن قرارات بشكل انفرادي.. هي حكومة تعمل على ممارسة المزيد من الضغط على الشغيلة المغربية والتراجع عن المكتسبات والتذرع بالأزمة التي هي أصلا أزمة اختيارات فاشلة وانصياع لوصفات البنك الدولي»، مشيرا بالمقابل إلى أنه «لم تسجل، إلى حدود الساعة، أية مضايقات في ما يخص ممارسة حق الإضراب، إلا أن ذلك لا يعني أنه مازالت هناك جيوب للمقاومة». هذان وينتظر أن تعقد النقابات الأربع (الفيدرالية، الاتحاد المغربي للشغل، الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الاتحاد العام للشغالين بالمغرب) اجتماعا تنسيقيا مشتركا من أجل تقييم نجاح الإضراب ومدى استجابة الحكومة لمطالب المركزيات، لتحديد الخطوات النضالية المقبلة التي يأتي على رأسها الإضراب الوطني ل48 ساعة والمسيرة الوطنية المؤجلة منذ 22 مارس 2009.