يقر العدالة والتنمية بأن قضية تموقعه السياسي تطرح عدة التباسات سواء داخل صفوف الحزب أو لدى المتتبعين الخارجيين. ترفض قيادة الحزب أن يكون الجواب مرتبطا بالمعيار الكلاسيكي الذي يميز في الأحزاب السياسية بين يمين ووسط ويسار، ثم إلى يمين وسط أو يسار جذري أو يمين متطرف، أو من معيار الحداثة والليبرالية أم المحافظة. فبالنسبة إليها فإن هذه المعايير الكلاسيكية لم تعد تمكن من رسم حدود صلبة أو تعكس حقيقة التوجهات المذهبية والسياسية، لكل حزب على حدة، «ذلك أن التطورات السياسية والإيديولوجية المتسارعة قد جعلت من تلك الحدود حدودا متحركة، وأصبحنا نجد تركيبات جديدة يتحدث فيها عن الليبرالية الاجتماعية أو الاشتراكية الديمقراطية أو الديمقراطية الاجتماعية» تقول وثيقة المؤتمر السادس، كما أن تطور التجربة السياسية الغربية نفسها –تضيف- قد أفرز دخول عامل الدين إلى جانب العامل السياسي والعامل الاجتماعي بوصفه أحد العوامل المحددة للتصنيفات والتموقعات السياسية حيث الحديث عن الأحزاب المسيحية الديمقراطية مثلا وعن اليمين المسيحي المعتدل أو المتشدد، وعن الحركات السياسية اليسارية التي تستلهم الدين في إطار ما يسمى بلاهوت التحرير. لكن الخريطة السياسية المغربية قد عرفت العديد من التكتلات والتصنيفات... فأين يجد الحزب الإسلامي موقعه؟ «تتخذ مسألة التصنيف والتموقع في المغرب طابعا أكثر تعقيدا، حيث لم يعرف التاريخ السياسي المعاصر اصطفافات حقيقية على قاعدة الاختيارات المذهبية أو الاقتصادية أو المشاريع المجتمعية –تجيب الوثيقة- وإذا استثنينا بروز الحركات اليسارية التي ظهرت في نهاية الستينات وبداية السبعينات، والتي لم تعمر تجربتها السياسية والإيديولوجية طويلا وانتهى بها المطاف عموما للعدول عن توجهاتها الراديكالية لتلتحق بالخط العام للأحزاب الإصلاحية التقليدية، فإننا لا نستطيع أن نتحدث عن تموقعات سياسية واجتماعية واضحة لمختلف مكونات الطيف السياسي». كما أن انخراط أحزاب المعارضة السابقة في الحكم انطلاقا من تجربة التناوب وتبنيها للاختيارات الليبرالية في المجال الاقتصادي وتبنيها لبرامج مشابهة للأحزاب التي كانت تنعتها بالأحزاب الإدارية، جعل معدي الوثيقة يذهبون إلى أن كل ذلك يزيد من صعوبة تحديد الخريطة السياسية وتموقعات الأحزاب بمعايير التصنيف الكلاسيكية. فماهو المعيار الذي يقترحونه؟ تقترح أطروحة المؤتمر السادس اعتماد معيار سياسي وظيفي للتموقع ينطلق أساسا من مدخل «النضال الديمقراطي». ومن مستلزمات ذلك التعاون مع كل الديمقراطيين الحقيقيين –تقول الوثيقة- الذين وضعوا ضمن أولوياتهم النضال من أجل إقرار إصلاحات سياسية حقيقية تعيد الاعتبار للحياة السياسية وللمؤسسات المنتخبة ولمشاركة المواطن وللمسؤولية السياسية ولدعم حقوق الإنسان والحريات العامة. والديمقراطيون غير الحقيقيين بالنسبة إليها بطبيعة الحال هم أتباع فؤاد عالي الهمة في «حركة لكل الديمقراطيين»، التي يعود لها الفضل في الدفع بأصدقاء العثماني إلى التفكير جديا بالتحالف مع حزب الاتحاد الاشتراكي.. «لم يصفق أحد على كلمة اليازغي في مؤتمر الاتحاد الاشتراكي، يقول أحد قياديي الحزب الإسلامي ل»المساء»، وجميع المداخلات التي عرفها مؤتمر الاتحاديين الذي لم ينه أشغاله بالنسبة إليه تحدثت بشكل سلبي تجاه حركة الهمة وليس تجاه العدالة والتنمية، باستثناء اتهام اليازغي للحزب بممارسة التقية. هذا هو تصور الحزب الإسلامي على مستوى تحالفاته بخصوص العمل التشريعي، أما بالنسبة للعمل بالجماعات المحلية، فإنه يرى أن تمثيلية الأحزاب على المستوى المحلي لا تعبر في الغالب عن انتماءات سياسية أو إيديولوجية حقيقية، وحيث أن الشأن المحلي هو شأن تدبير يومي أكثر مما هو شأن سياسي –تقول وثيقة-، فإن التعاون وجب أن يتأسس على اعتبارات عملية منها: درجة من النزاهة والمصداقية والاستقامة، والسعي إلى تشكيل تحالفات تنتج أغلبية تجلب أكبر قدر من المصالح للجماعات وتدفع أكبر قدر ممكن من المفاسد، وتسهم في تحسين حكامة الشأن المحلي والاستجابة للحاجيات اليومية للمواطنين. فهل سيسعى العدالة والتنمية إلى خلق تحالف جديد تكون مهمته هي مواجهة التكتل المساند للهمة؟ أم إنه فقط يحاول الخروج من عزلته؟