يؤكد عبد الحي ونزار، الكاتب العام للتنسيقية الوطنية للنقل الطرقي بالمغرب، في هذا الحوار على أنه لا مستقبل لمدونة السير الجديدة، موضحا أن عدم مراعاة المدونة لخصوصيات الواقع المغربي سيكون السبب الرئيسي لوفاتها. وأوضح بأن المؤشرات الأولية التي تم رصدها أكدت أن آثارها السلبية على الواقع الاجتماعي المغربي المعقد كانت «بالغة»، الأمر الذي أدى إلى مصادمات بين مواطنين ورجال الأمن في مناطق متعددة. وصرح ونزار في حواره مع «المساء» بأن التنسيقية تستعد لتنظيم إضراب وطني شامل قبيل عيد الأضحى احتجاجا على بنود المدونة، وفي مقدمتها سحب رخص السياقة والغرامات الباهظة والعقوبات السالبة للحرية، داعيا الحكومة إلى مراجعة الموضوع واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على مصلحة مهنيي النقل والمواطنين على حد سواء. - ما هو تقييمكم الأولي لمدونة السير الجديدة بعد انقضاء أزيد من أسبوعين على تطبيقها؟ عملنا داخل التنسيقية الوطنية للنقل الطرقي بالمغرب على متابعة تطورات الشروع في تطبيق مدونة غلاب ابتداء من فاتح شهر أكتوبر الجاري، ولم نفاجأ عمليا بالنتائج الكارثية، التي تسببت فيها والتي تعطينا صورة واضحة عما سيحدث في المستقبل القريب بسببها. وألخص ما حدث خلال أزيد من أسبوعين فقط بالقول إن عددا كبيرا من السائقين المهنيين تركوا وظيفتهم وانتقلوا للعمل في وظائف أخرى، في حين يبحث آخرون عن بدائل لترك مهنتهم الحالية، وعلمنا على سبيل المثال أن نسبة سائقي الشاحنات، الذين غيروا المهنة، وصلت في بعض المناطق إلى 40 بالمائة ! كما تأكد لنا كذلك داخل التنسيقية أن عشرات المواطنين العاديين إما وضعوا سياراتهم جانبا وفضلوا استغلال النقل العام للوصول إلى مقرات عملهم، أو حصروا استعمالهم لسياراتهم الخاصة في أضيق الحدود. والنتيجة الطبيعية لكل ما حدث هو أننا بتنا نعاني الآن خصاصا ملحوظا في أعداد سائقي الشاحنات بشكل خاص، وهو ما لا يستطيع أحد إنكاره، ولاحظنا ذلك مبدئيا في مدينة صفرو وعدد من المدن المغربية الأخرى. وأؤكد أن هذه التداعيات ستكون لها انعكاساتها الوخيمة على أسعار البضائع والمواد المعروضة في الأسواق أكثر مما هو عليه الوضع حاليا، فكيف تريد للسائق المهني أن يسافر بشاحنته حاملا البضائع فيصادف في الطريق غرامات ثقيلة وتهديدات واضحة بالسجن والاعتقال قد تصل إلى خمس سنوات كاملة؟ - ما هي الآثار التي ترونها سلبية لتطبيق المدونة، علما أن وزير النقل والتجهيز كريم غلاب صرح غير ما مرة بأن المدونة الجديدة جاءت لمصلحة المواطن والسائق المهني بدرجة أولى؟ نحن لدينا اقتناع راسخ داخل التنسيقية بأن مدونة السير الجديدة لم تأت بأي تغيير يحسب لمشرعيها ولمصلحة المواطن المغربي، فضلا عن أن تعليمات صدرت من طرف مسؤولين كي يتم التخفيف من حدة تطبيق بعض بنودها كعدم مناقشة حمولات الشاحنات، وهذا يدل على أن أصحاب مدونة السير يعرفون كل شيء إلا الواقع المغربي وخصوصياته. وسأضرب على ذلك مثالا بالحديث عما جرى بقرية واد إمليل يوم 4 أكتوبر الجاري عندما فوجئ المواطنون بغياب جميع أنواع النقل، التي اعتادوا استخدامها في التنقل يوم السوق الأسبوعي، مما اضطرهم لاتخاذ قرار الاحتجاج وقطع الطريق الرئيسية لمدة خمس ساعات تقريبا، قبل أن تتدخل قوات الأمن والجيش لتفريق المحتجين واعتقال عدد منهم، يتابعون حاليا أمام المحاكم بتهم ثقيلة. فكيف يمكننا القول إن غلاب يعرف الواقع المغربي، وهو لا يعلم أن صاحب سيارة النقل المتواضعة أو «البيكوب» أو «207» يستحيل عليه أن يؤدي غرامة واحدة من تلك الغرامات الثقيلة وأقلها 700 درهم عن كل راكب، وهو الذي يؤدي وظيفة حيوية للمواطنين من سكان القرى. من المؤكد أنه يجب الحفاظ على حياة المواطنين وضمان سلامتهم لكن ذلك يجب أن يكون بطريقة توازن بين ذلك وبين متطلبات الواقع. وقد وقعت حادثة طريفة بتمحضيت عندما أوقف رجال الدرك سيارة نقل مزدوج وأرادوا تغريم صاحبها، فما كان من المواطنين الذين كانوا بداخل السيارة إلا أن انتقلوا إلى سيارة الدركيين ورفضوا الخروج منها رغم التهديدات، مما اضطر رجال الدرك إلى السماح لهم بالعودة إلى سيارة النقل المزدوج والعودة إلى منازلهم سالمين غانمين. - هل هذا يدل على أنكم ضد كل ما جاءت به المدونة أم أنكم ضد بعض البنود المثيرة للجدل مثل الغرامات الباهظة والعقوبات السالبة للحرية؟ نحن لسنا ضد المدونة جملة وتفصيلا، بل نحن مثلا مع معاقبة المتعاطين للمخدرات من الذين يقودون مختلف وسائل النقل ويشكلون خطرا على حياة المواطنين. نحن مع مضاعفة العقوبات ضدهم ولو وصل الأمر إلى إعدامهم، لكن للأسف الشديد نجد في المادة 186 من مدونة غلاب أن «السكايرية» هم الأقل تغريما بغرامة لا تتجاوز 300 درهم، وهذا أمر نضع أمامه عشرات علامات الاستفهام. نحن كذلك ضد مبدأ العمل بنظام التنقيط وسحب الرخص والغرامات التي لا تتناسب والواقع المغربي. نحن ضد تلك الغرامات الباهظة وضد إلقاء المواطنين في السجون دون موجب حق، وهذا مشكل حقيقي. غلاب ما عارفش حقيقة ما يعيشه المغاربة، وما عارفش أن صاحب سيارة أجرة اللي كياخذ 100 درهم ديال الربح كيف سيكون رد فعله منين تجيه غرامة ديال 700 درهم على الأقل. فضلا عن الحالة الفظيعة التي توجد عليها العديد من الطرق الوطنية الضيقة المليئة بالحفر، والتي عجز السيد الوزير عن إيجاد حل لها. وإذا قلنا إنه يلقي باللائمة على المجالس البلدية، فأنا أسأله عن الطرق السيارة التي يعاني أرباب الشاحنات الأمرين منها، وكلها «طلعات وهبطات» لا تصمد أمام أقوى المحركات. فضلا عن المخاطر التي يواجهها أرباب الشاحنات على الطرق السيارة، وخاصة من اللصوص والمعتدين. فكيف لسائق الشاحنة أن يركز وسط كل هذه الظروف مع بنود مدونة غلاب؟ وإذا كان غلاب يعتبر نفسه عارفا بواقعنا فأنا أسأله عن مصير الأسر والعائلات التي سيعتقل معيلوها من أرباب الشاحنات بسبب مخالفة ما؟ وكيف سيدفعون مصاريف الدراسة والسكن والأكل؟ هل سيخرجون للتسول أم لجلب المال بأي طريقة كانت؟. - تنتقدون المدونة كثيرا وتقولون إنها جاءت دون أن تراعي خصوصيات الواقع المغربي ودون توفير ضمانات إنجاحها، كيف ذلك؟ أعطيك مثلا، «طفايات» الحريق التي يصر قانون غلاب على أن تكون بكل الشاحنات، باتت مفتقدة داخل الأسواق بشكل غريب، ووصل ثمنها إلى 500 درهم «للطفاية» الواحدة إذا ساعدك الحظ ووجدتها لدى الباعة، فكيف لكريم غلاب أن يصدر مدونته دون أن يعد لها على الأقل الوسائل لإنجاحها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى نحن نتساءل كيف يتم تخصيص ميزانيات بالمليارات لإنشاء طرق هنا و طرق هناك، فإذا بنا نفاجأ بأنها لا تتماشى وشروط الجودة المطلوبة، مما يطرح علامات استفهام عديدة، وأين هي المراقبة المفترض وجودها في مثل هذه الحالات؟ كذلك أين هي علامات التشوير الطرقي؟ وأين هي أماكن الاستراحة المؤمّنة التي يأمن فيها السائق على شاحنته من اللصوص فيأخذ قسطا من الراحة؟ وللأسف فحالات السرقة العديدة التي تعرض لها هؤلاء جعلت أسفارهم بين المدن قطعة من الجحيم. - اتهم أرباب الشاحنات و«المضاربون» بالوقوف وراء ارتفاع أسعار بعض السلع والبضائع. كيف تعلقون على ذلك؟ هناك أشياء كثيرة تكشف القناع عن حقيقة مدونة السير والأشخاص الذين جندوا أنفسهم لإعدادها وإصدارها. فمثلا بخصوص الشاحنات المستعملة حاليا سبق لنا أن اتفقنا مع إدريس جطو على أن تنتقل حمولتها من 8 أطنان إلى 14 طنا (طارة وطوناج) بعدما - ويا للمفارقة- كان يفرض علينا القانون أن لا تتجاوز الحمولة 8 أطنان، وهو نفس وزن الشاحنة، مما يعني أنه يمنع علينا حتى نقل كيلوغرام واحد من البطاطس أو الطماطم عليها وإلا تعرضنا للعقوبة. لذلك، ببساطة، ظللنا نشتغل سنوات طويلة قبل الاتفاق مع جطو خارج القانون. الوضع الآن في عهد السيد كريم غلاب أكثر غرابة وطرافة، فمثلا شاحنات «الكونطير» تزن نحو 4 أطنان فارغة، وقانون غلاب يفرض أن لا تتجاوز حمولتها (طارة وطوناج) 3 أطنان و500 كيلوغرام !!! معادلة غريبة تدل على مدى دراية غلاب وفريق عمله بمهنتنا التي شرعوا لها ما شرعوه، وقد وقعت حادثة طريفة قبل أيام في الميزان العمومي بمنطقة العرجات بضواحي سلا، عندما أوقف رجال الدرك سائق «كونطير» فاتصل بي فما كان مني إلا أن أخبرته بأن يقسم الشاحنة نصفين حتى يكون منسجما مع القانون! - بعيدا عن هذا الوضع الغريب، هل تقصدون أن الشاحنات تستطيع تحمل وزن أكثر من ذلك دون أن تؤثرا سلبا على المصلحة العامة؟ الشاحنات الجديدة ذات الجودة العالية، التي تكلف بعد الشراء والتعديلات نحو 50 مليون سنتيم، لا يستطيع أي من مالكيها الاكتفاء ب 6 أطنان على الأقل من البضائع، علما أنها تتحمل أكثر من ذلك بكثير، وقد قمنا عام 2003 بتجربة عملية على إحداها فملأناها بحوالي 20 طنا من السلع فوجدنا أنها الكمية المناسبة لكي يسافر السائق وهو مرتاح دون أدنى مشاكل. لكن المسؤولين يرفضون الاستماع إلى مشاكلنا ورغباتنا ويرفضون تفهم متطلبات المهنة بما لا يتعارض مع المصلحة العامة، فأصروا على استهداف حمولة الشاحنات بالمجمل دون مراعاة خصائص كل واحدة منها، وهذا ما كان له بالغ الأثر السلبي على أسعار السلع في السوق ليبقى المواطن البسيط هو المتضرر الأكبر من العملية. - كيف ترون مستقبل مدونة السير الجديدة؟ وما هي الإجراءات التي ستتخذونها مستقبلا للاحتجاج عليها في ضوء الانتقادات الكثيرة التي توجهونها إليها؟ لا مستقبل لمدونة غلاب، فعوامل موتها كامنة داخل بنودها القاتلة، التي نجحت فقط في رفع مبالغ «فك الحريرة» بين المواطن وبعض رجال المراقبة. نحن لن نبقى ساكتين وسنصعد من احتجاجاتنا ضد مدونة غلاب، ونحن نستكمل في الوقت الحاضر كافة الاستعدادات لخوض إضراب وطني شامل قبيل عيد الأضحى المبارك، وكل الفروع والمهنيين لديهم رغبة أكيدة في إيصال صوتهم للمسؤولين، لأن كل المؤشرات تدل على أن مستقبلا مظلما ينتظر مهنيي النقل والمواطنين العاديين بسبب تطبيق بنود مدونة غلاب المثيرة للجدل، ونحن داخل التنسيقية، التي تضم هيئات ومركزيات نقابية ومهنية، وإن كنا فوجئنا بتوقيع بعض الهيئات على الاتفاق مع غلاب بشأن المدونة، فإننا مقتنعون بأنها لا تصلح للواقع المغربي، خاصة بنود سحب الرخصة والغرامات المالية والعقوبات السالبة للحرية. لكن بالمقابل على الحكومة أن تضع الوسائل لإنشاء ثقافة طرقية جديدة تبدأ من سنوات الابتدائي الأولى ولا تنتهي مع المرحلة الجامعية، حيث يعلم الأطفال والشباب، على حد سواء، ما لهم وما عليهم إزاء مشكل التنقل واستعمال الطريق العمومي، عوض الاقتصار على إخراج مدونة يرفضها الجميع باستثناء أصحاب المصالح.