ستظل الأزمة التنظيمية «الخانقة» التي يعيشها حزب الاتحاد الاشتراكي بجهة فاس قائمة إلى أجل لاحق، بعدما سارع عدد من أعضاء المكتب السياسي للحزب -وفي مقدمتهم كاتبهم الأول عبد الواحد الراضي، والحبيب المالكي، وعبد الحميد الجماهري- إلى العودة إلى «قلعتهم» بالرباط، دون اتخاذ إجراءات من شأنها أن تعيد الحياة إلى هذه المؤسسة الحزبية بالجهة، وذلك على إثر مشاركتهم، مساء أول أمس السبت، في إحياء أربعينية وفاة ثلاثة من رموز الحزب بالمدينة، قضوا تباعا في صيف 2010. واكتفى عبد الواحد الراضي، في كلمته التي حرص على أن يقرأ أوراقها بعناية، بالإشارة إلى أنه يتطلع إلى أن تسترجع فاس مكانتها ودورها الإشعاعي في تنظيم الحزب، واصفا مساهمة المدينة، في محاربة الاستعمار والكفاح من أجل ترسيخ الديمقراطية خلال مرحلة الاستقلال، ب«المساهمة الراسخة في سجل النضال الوطني». وفي الوقت الذي سجل فيه بعض الاتحاديين القدامى حضورهم في هذا اللقاء، الذي نظم بمركب يسميه الاتحاديون ب»مركب عبد الرحيم بوعبيد» ويطلق عليه الاستقلاليون «مركب الحرية»، فإن عددا آخر منهم فضل التواري عن الأنظار إلى حين «اتضاح الرؤية». ومن أبرز الذين بقيت مقاعدهم فارغة الكاتب الإقليمي للحزب، المحامي محمد الدباغ، الذي استقال من هذه المسؤولية بسبب خلافات داخلية عميقة تنخر الجسد التنظيمي للاتحاديين، إلى درجة أن شؤونه تُدبر من قبل ما يسميه الاتحاديون ب«ما تبقى من الكتابة الجهوية» و«ما تبقى من الكتابة الإقليمية»، بعد الانسحابات التي عاشتها الكتابتان، دون أن تفلح مجموعة من المؤتمرات واللقاءات التنظيمية، التي عقدت لتجاوز هذا الوضع، في رد الاعتبار إلى هذا الحزب الذي كان يوصف ب«الحزب العتيد». كما لم يحضر الوزير الاتحادي رضا الشامي هذا الحفل التأبيني لوالده المتوفى في ملابسات لا زال القضاء ينظر فيها بعد «نزاع» بينه وبين فلاح بضواحي المدينة. وبررت اللجنة التنظيمية هذا الغياب بوجوده خارج أرض الوطن في مهمة رسمية. وكانت فاس، في الفترات السابقة، تعد من أبرز معاقل الاتحاديين. وكان تدبير شؤونها المحلية يتم وفق «تناوب ضمني» بين الاتحاديين والاستقلاليين، لكن الاتحاد -وبسبب أزمة في التنظيم أضيفت إلى انتقادات وجهت إلى طرق تدبير بعض رموزه للشأن المحلي- لم يتمكن في الانتخابات الجماعية السابقة من الحصول على مقاعد مهمة، وظل في أغلب الأحيان يمارس معارضة «صامتة» في دورات المجلس الجماعي. وزاد ظهور حزب الأصالة والمعاصرة في صف المعارضة، إلى جانب حزب العدالة والتنمية، في إضعافه. وفقد الحزب، بمقرر قضائي، أحد مقراته «التاريخية» بالمدينة العتيقة في صيف السنة الحالية، وذلك بعدما أقدم ورثة صاحب المحل، الذي يوجد فيه فرع «الزرابطيين»، على رفع دعوى قضائية ضد الاتحاديين يطالبونه فيها بإفراغ محلهم وأداء ما بذمتهم من أموال كراء. وفاجأ هذا الحكم عددا من أطر الحزب من الذين ترسخت لديهم الثقة بأن بعض رموز حزبهم قد اقتنت هذا المقر الذي نشط فيه زعيمهم الراحل المهدي بنبركة، لفائدة الحزب. وأشاد الراضي، في اللقاء الذي أطلق عليه الاتحاديون «لقاء الخشوع والانبعاث»، بما أسداه كل من المرحومين محمد الشامي، والد الوزير رضا الشامي، ومحمد بوعمامة المجدوبي ومحمد بنديهاج لحزب الاتحاد الاشتراكي في «سنوات الرصاص» وما قدموه إلى المغرب من خدمات لتكريس الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان. وقال إن الحزب، الذي يتولى كتابته الأولى، سيواصل العمل من أجل تأهيل العمل السياسي عبر إصلاحات سياسية ودستورية، كما سيواصل العمل في ورش التنظيم المفتوح، وذلك لتأهيل أداته التنظيمية.