لأن المتميزين ينتهون، دوما، إلى فرض أنفسهم، رغم «تربُّص» المتآمرين، ذوي العقليات القاصرة و«أعداء النجاح»، فقد كان طبيعيا أن يُنصف القدَرُ أسماء ظلّت «تحفُر» مسارها، في صمت وصدق، بعيدا عن «أبواق» الدعاية الرخيصة، التي تحدد لكل شيء «ثمنا» مسبقا، في «بورصة» إعلامنا المصاب بأعطاب كثيرة تستدعي وقفةَ تأمل طويلةً، علَّها تُسعف في استئصال بعض «الطفيليات» الذين صاروا «مسامير جحا»، يعتقدون أنه دون «مباركتهم» لن تقوم للأدب ولا للفن قائمة في البلاد... من بين هذه الأسماء المُتميِّزة التي أنصفها فضاؤنا السمعي البصري، في ظل كل الضجيج والفوضى (غير الخلاقة طبعا)، اللذين طبعا «كوميديا» رمضان الأخير، الممثل والمسرحي المقتدر كمال كظيمي، الذي استطاع، ضمن فريق العمل التلفزيوني الرائع «حْديدّانْ»، أن يجمع العائلة المغربية كبيرها بصغيرها على مائدة فرجة واحدة، بعيدا عن الابتذال و«السوقية» اللذين فُرِضا علينا، قسراً، إلى درجة أصبحنا معها نتشاءم من كل منتوجنا المرئي، الذي أضحى مرادفا للإسفاف و«الارتجال»، في أبشع صورهما الممكنة... وقد كانت حلقة برنامج «مارس كوميك»، التي قدمها زهير علوان على أثير «راديو مارس»، يوم الأربعاء 6 أكتوبر الجاري، على موعد مع النجاح وهي تستضيف النجم كمال كظيمي -«حْديدّانْ»، الذي تألَّق رفقة المخرجة المتميزة، دوما، في اختياراتها الفنية، بنبشها في موروث التراث المغربي، فاطمة بوبكدي، التي عقدت «ميثاق شرف» غيرَ مُلزِم مع المُشاهد المغربي، تتكفل بموجبه بتقديم صورة مشرفة عن الإنتاج المواطن، الذي يحاول «النّكِرات» الميؤوس منهم نحرَه على أعتاب حساباتهم البليدة وضيق رؤاهم التي تثبت، يوما عن يوم، اندحارَها أمام تألق ورونق إبداعات أبناء الوطن الحقيقيين، المسكونين بانشغالات وانتظارات الفئات العريضة من هذا الشعب الذواق، رغم أنف «المُهرّجين»... مع فرقة «النورس»، الموسيقية، خطى كظيمي أول خطواته على درب الفنون في نهاية ثمانينيات القرن الماضي (1989)، قبل أن يلتحق بالفرقة المسرحية «اللواء» في بداية التسعينيات من نفس القرن (1992). وفوق ركح المسارح، أبدع في أدوار متعددة تقمص فيها شخصيات عديدة، باحترافية كبيرة، إلى درجة أنه يُعدُّ من القلائل الذين يصعب الربط بين شخصهم الحقيقي و«الشخوص» التي يتقمصونها في أدوارهم... وبخصوص سلسلة «حْديدّان»، التي عُرضت خلال رمضان الأخير، صرّح كظيمي ل«مارس كوميك» بأنه يحب ركوبَ تحدّي الأدوار المُركَّبة، التي تنطوي على نوع من «التّسخْسيخْ»، في سبيل الإجادة وشد اهتمام وأنفاس المتفرجين... وأضاف أن مخرجة «حْديدّانْ»، فاطمة بوبكدي، أبدعت -إلى حد كبير- في عملية «الكاستينغ» الخاصة بالسلسلة ووُفِّقت، أيَّما توفيق، في إعطاء كل ممثل الشخصيةَ المناسِبة لمؤهلاته وقدُراته الشخصية». وأردف كظيمي قائلا إنهم شكّلوا «عائلة واحدة» أثناء اشتغالهم في السلسلة «إلى الحد الذي جعل الكثير من المغاربة، وهم يلتقون بي يُقدِّمون لي تعازيهم الصادقة والعفوية في رحيل عائشة مناف («خْميسة») على أساس أنها «ابنتي» الحقيقية !»... قال الصحافي سعيد بونوار، في اتصال هاتفي، إن كظيمي «فنان مُلِمّ بالأبجديات الحقيقية للفن (الموسيقى ضمن فرقة «النورس»)، كما تَمرّس على الممارسة المسرحية ضمن فرقة «اللواء»، التي خلقت صدى طيبا وحصدت جوائز مهمة وكثيرة»... وفي كل عمل مسرحي، يتابع بونوار، «يسجل كظيمي حضورا لافتاً، لأنه فنان «قارئ» ومتمكِّن من أدوات اشتغاله، فهو فنان متميز في المسرح، قبل أن يكون كذلك في التلفزيون»... وتابع بونوار قائلا إن «المسرح تعامل مع الموروث بشكل متميز وإن الحكايات والتراث الشعبي المغربي غنيّان إلى درجة أن بين كل 30 كيلومترا من تراب المملكة هناك تراث محلي يجب فقط الالتفات إليه وإعادة الاعتبار إليه»!...