لأسباب وصفت ب«التافهة» ونتيجة ل«التماطل» في البت في شكايات كانت قد تقدمت بها عائلته ضد عائلة الضحيتين، صبّ المتهم جامَ غضبه على ابني عمّه، في منتصف ليلةمن شتاء سنة 2000، بعد أن وجد والدته المسنة مضرجة في دمائها، إثر تلقيها ضربةً في الرأس بواسطة حجارة من طرف الضحيتين وأشقائهما، الذين فوجئت أسرة المتهم، الذي صدر في حقه حكم بالسجن لمدة ثلاثين سنة، بأنه لم تتم متابعة أي منهم، خاصة منهم الذي أصاب والدة المتهم وتسبَّب لها في إصابة وأضرار جسدية ما زالت تلازمها إلى اليوم، كما يلازمها عذاب فراق ابنها، الذي كان سندَها في الحياة، والذي فقد بدوره استقراره الأُسَري، بعد أن طالبته زوجته بالطلاق، ولم يمض على زواجهما أكثر من سنة واحدة... أصدرت استئنافية آسفي حكمها النهائي بثلاثين (30) سنة سجنا نافذا في حق شخص قتل ابنَي عمه في الضاحية الجنوبية لمدينة آسفي. وقد كان الحادث بالنسبة إلى الكثير ممن كانوا على صلة قرابة أو صداقة بالمتهم مُفجعا وصعْبَ التصديق، لأنهم لم يستوعبوا معنى أن يُقْدم «هشام» (اسم مستعار) على هذه الجريمة وهو الذي كان هادئا جدا إلى درجة أنه كان «يتساهل» في كل شيء، بل كان لا يضمر حقدا أو ضغينة لأي أحد، وكانت علاقته جد طيبة مع جميع سكان الدوار، حتى مع من كانوا على خلاف مع أسرته الصغيرة، وهو ما كان يثير غضب الأسرة نفسِها، في بعض الأحيان، وكانوا يعتبرون «طيبوبته» مع الجميع مسا بكبريائهم، لأن ابنهم لا يميز، في نظرهم، بين الأشياء، بل يعتبرونه أحيانا أخرى مصدر «الذل» الذي يلحق بهم من طرف من يختلفون معهم، خاصة عائلة عمهم الوحيد. خلافات عائلية متر أو متران فقط هما الفاصلان بين منزل «هشام» ومنزل عمه، لذلك كانت العائلتان دائما على خلاف. ولأسباب وُصِفت، في ما بعد، ب«التافهة»، اندلعت «حرب» صامتة، أحيانا، ومعلَنة، أحيانا أخرى، بين العائلتين، كثيرا ما كانت تنتهي لدى الدرك الملكي، ويكون الحكم بغرامة مالية أو يظل الملف مركونا في الرفوف بدون أن يصدر فيه أي حكم نهائي، سواء من لدن الدرك الملكي أو من لدن ابتدائية آسفي، وكان الاختلاف في الغالب يكون حول حائط ما زال قائما إلى اليوم، والذي لم تستبعد الأسرة أن يكون سببا في حادث آخر، خاصة أنهم هم من يتحملون «حماقات» عائلة عمهم، لأنهم يملكون وثائق تثبت أحقيتهم في جميع المسافة التي توجد أمام منزلهم، بما فيها منزل عمهم الذي فتح بابه هناك على سبيل الخير والإحسان. وقد اعتبرت أسرة «هشام» أن ما حصل مع ابنها ليس سوى نتيجة طبيعية ل«تخزين» هذه الملفات أو اختفائها، بشكل غير مفهوم، أو التماطل في إصدار أحكام عادلة فيها، لأن ذلك كان سيحول دون هذه الجريمة التي جنت على العائلتين معا، حيث انتهى مصير اثنين إلى الموت، فيما مات الآخر أيضا، حسب وصفها، بسبب الحكم عليه بالسجن ثلاثين سنة. فصول الجريمة كانت أسرة «هشام» تغط في النوم إلى أن سمع الجميع ضوضاء وضجيجا يكسر هدوء الدوار. استيقظت «أم هشام» العجوز، مفزوعة، وطلبت من ابنتها التي كانت في زيارة لأسرتها هي وزوجها المريض، والتي كانت تستقر بالمدينة، التدخل رفقة شقيقتها، لأن أبناء عمها يريدون اختلاق مشكل وهم يرجمون شقيقها «المعاق» الذي كان ينام في الخارج، هو ورفيق له. استيقظت الابنة وخرجت بسرعة لمعرفة ما يجري في الخارج، غير أنها عاينت فوضى أعجزتها عن التدخل، حيث فوجئت بأنها كانت من بين «المستهدَفين»، إذ نجت -بأعجوبة- من ضربتين بواسطة حجارة رماها بها أحد الإخوة الذين كان عددهم حينها ستة، من بينهم قاصران. بعد ذلك مباشرة، حاولت الأم العجوز التدخل لتهدئة الإخوة، غير أن أحدهم وجَّه لها ضربة في الرأس أسقطتْها أرضا لتصاب بغيبوبة. ولسوء حظ الإخوة أن «هشام» سمع الفوضى وخرج، حيث فوجئ بأمه مضرجة في دمائها، وهي فاقدة الوعي. حاول في البداية فهم ما يجري، ونهى أبناء عمه الذين كانوا في حالة هيجان عن الاستمرار في الزوبعة التي «اختلقوها، بدون سبب»، حسب تصريح أفراد من أسرته، إلا أنه بعد علمه بأن أمه فقدت وعيها وأمام إصرارهم على عدم التراجع، حمل والدته إلى الداخل وأوصد الباب في وجه شقيقتيه وخرج من جديد، حيث دخل في صراع مع الأشقاء الستة ووالدتهم التي كانت، حسب الأسرة، سببا في الحادث في الأصل، لأنها ادعت أنها ستصاب باختناق بسبب «عملية الاحتراق التي كانت تقوم بها أسرة «هشام» لصناعة الفحم والتي كانت حينها توشك على الانتهاء». كان الإخوة، حسب «هشام»، الذي يعاني من نقص حاد في البصر، مسلحين بأسلحة بيضاء وبأدوات فلاحية، في حين كان «هشام» وحيدا وسطهم. أمام اشتداد العراك، استطاع «هشام» أن ينتزع سكينا من أحدهم، حيث وجَّه، في لحظة غضب شديد، طعنة لابن عمه البكر (من مواليد 1975) الذي توفي بعين المكان، في حين وجه لابنة عمه (في العشرينات من عمرها) بواسطة السكين نفسه ضربة في العنق توفيت بفعلها في ما بعدُ داخل مستشفى محمد الخامس في آسفي، حيث يقول «هشام» إنه لم تكن له نية قتل أي منهم لكنهم أثاروا غضبه، خاصة بعد أن تعرضت أمه للضرب والتي نقلت بدورها إلى المستشفى. كما أن ابنة عمه باغتته بضربة قوية في مكان حساس. وتلقت الأم العلاج، حيث أصيبت بجرح غائر في الرأس تطلب 13 غرزة، كما أنها ما زالت تعاني، إلى اليوم، من آلام ظلت تلازمها في الرأس، بسبب الضربة التي تعرضت لها. والغريب في الأمر، تؤكد الأسرة، أن المعتدين لم يُتَّخذ في حقهم أي حكم، رغم أنهم كانوا سببا في الهجوم، حتى إن منزل «هشام» وجد به رجال الدرك أكواما من الأحجار التي رُجِم بها أفراد الأسرة. الغريب في الأمر، تؤكد الأسرة، أن الدرك اعتقل شقيقتي «هشام»، الذي اتجه نحو أقرب جماعة قروية لتسليم نفسه، والذي أطلق سراحُهما، بعد أن تم القبض على «هشام»، الذي اعترف بما اقترفت يداه.