أن يكون الناشط في حقوق الإنسان معارضا لنظام بلاده، فهذا أمر مشروع ولا نقاش فيه، ولكن أن يلجأ باستمرار، عن حسن نية أو سوئها، إلى قوى خارجية للاستقواء بها، حتى ولو وصل الأمر إلى حد الإساءة والافتراء على الحقائق، عندئذ يصبح الأمر غير مقبول. وهنا تعود بي الذاكرة إلى لقاء دعت إليه المعارضة التونسية، منذ عدة سنوات، في مقر البرلمان الأوربي الفرعي بباريس، استخدمت فيه هذه الأخيرة «عضلات فتواتها»، كما يقول المصريون، للسماح لذاك بالدخول ومنع آخر منه، بحجة أنه عميل لنظام الرئيس بن علي. يومها، دعا السيد كمال الجندوبي -الذي لم تسمح له السلطات المغربية، يوم الخميس الفائت، بالدخول إلى أراضيها والمشاركة في اللقاء المفتوح حول المدافعين عن حقوق الإنسان بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي نظمته، شكلا، المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ونظمته ومولته، فعلا، المؤسسة الأورو متوسطية من أجل المدافعين عن حقوق الإنسان- المفوضية الأوربية ببروكسيل إلى العمل على ثني رعايا دولها عن التوجه إلى تونس للسياحة، بحجة أن هذا التدفق من شأنه تعزيز الموارد المالية ل«النظام الديكتاتوري» فيه، لكن هذا «الناشط الإنساني والمعارض الوطني» نسي أن أكثر من 40 في المائة من مواطني بلاده من الفقراء والطبقة المتوسطة يعيشون من هذا القطاع. لكن، يبدو أن الأمر لا يدخل في حسابات السيد الجندوبي، طالما أنه يعيش في أوربا، مدعوما من بعض مؤسساتها، آخرها الأورو متوسطية، التي اختلقت له منصبا أسمته «رئيس الشبكة الأورو متوسطية لحقوق الإنسان»، بما يسمح له بالاستمرارية في الدور المطلوب والمرسوم له. أما بخصوص إبعاد السيد كمال الجندوبي اليوم عن المشاركة في لقاء الرباط، تحت يافطة تكريمه وآخرين في المؤسسة الأورو متوسطية لحقوق الإنسان، انطلاقا من عاصمة المملكة المغربية، فإن ذلك لم يحدث إلا عندما تأكدت السلطات المعنية بأن ما يسمى «اللقاء المفتوح» سيتحول إلى منصة للتهجم على بلد مغاربي شقيق لم يسمح يوما بالإساءة إلى المملكة ولا إلى قيمها، إضافة إلى أن غالبية المشاركين هم ما يسمى بمعارضي بن علي، كما أن التي تدير النقاشات، هي السيدة سهير بلحسن وهي الأخرى تونسية، رئيسة الاتحاد العالمي لحقوق الإنسان،... تقول إنها معارضة للنظام، لكنها موجودة بانتظام في تونس، تبدي آراءها وتملك وضعا اجتماعيا مرموقا.. فهل هي مصادفة أن يضم هذا اللقاء ثلاثة معارضين تونسيين، من ضمنهم مختار الطريفي، رئيس منظمة حقوق الإنسان في تونس، والقول بعد ذلك بأن ما يحدث ليس موجها إلى بلد ما؟ باختصار، لقد أراد المغرب، وحسنا فعل، من وراء إبعاد كمال الجندوبي، إفهام من يهمه الأمر، في الخارج تحديدا، أن تنظيم ندوات ولقاءات تحت يافطة الدفاع عن حقوق الإنسان يبقى مسموحا به ضمن احترام الأصول المعمول بها حسب القوانين مرعية الإجراء في المملكة، لكنه مرفوض إذا ما تحول إلى منطلق ضد الأشقاء والإساءة إلى أنظمتهم التي اختارتها شعوبهم عن صواب أو خطأ، ذلك لأن المغرب لن يقبل بدوره بأن تستخدم أراضي الأشقاء كمنصات للإساءة إلى تجربته الديمقراطية المتطورة. ذلك، باسم الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات، شعارات تستخدمها عادة منظمات أجنبية تظهر عداءها للمغرب، تستخدم فيها مجموعة من الكومبارس. إن ما قامت به السلطات المغربية، عن دراية بمساوئ مبادرات كهذه، مرسومة في الخارج ومنفذة على أراضيها، هو درس للمستقبل تعطيه لمن سيحاولون مرة أخرى الإساءة إلى الأشقاء. وما التحرك الفوري والمضخم لبعض وسائل الإعلام، الفرنسية منها تحديدا، وهي التي تستهدف على الدوام المغرب، سواء بالنسبة إلى خطواته الانفتاحية أو على صعيد مشروعه المجتمعي الذي يسير بتؤدة، لكن بثبات، إلا دليل على تورط هذه القوى والمنظمات الخارجية التي لها حسابات سياسية بعيدة المدى، مستخدمة رموز ما يسمى بالمعارضة في هذه البلدان العربية كأدوات لتحقيق أهدافها. في النهاية، هنالك حقيقة لا يمكن التغاضي عنها، وهي أن المعارضين المغاربة للنظام، أثبتوا أنهم وطنيون أكثر من غيرهم. لقد رفضوا على الدوام الإغراءات التي عُرضت عليهم للعب أدوار تسيء إلى وطنهم، وما لبثوا أن عادوا إليه ليمارسوا دورهم إما في المشاركة في البناء والاستمرار في المعارضة المسؤولة، مع التمسك بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية، وانتقاد ما يرونه خطأ في الممارسة. هذا ما لم يفعله المعارضون التونسيون في الخارج، كالجندوبي وغيره، مع الأسف. «إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء»، صدق الله العظيم.