سيكون اجتماع المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المقرر شهر دجنبر المقبل فرصة لا تعوض لقيادة حزب «المصباح» من أجل التفكير بهدوء في المستقبل السياسي للحزب، وتقويم سلسلة من الاختلالات التنظيمية التي جعلت عشرات الأعضاء يشهرون استقالات تتضمن انتقادات شديدة اللهجة، وصلت إلى حد اتهام الحزب بتبني الإقصاء في حق المناضلين على حساب أسماء أخرى نزلت بمظلة لأسباب انتخابية، وكذا صم الآذان عن المشاكل التي تعاني منها الفروع الجهوية والإقليمية. من جهة أخرى، فإن عددا من المتتبعين يرون أن بنكيران لم يستفد من زلات سابقة جعلت حزب العدالة والتنمية يواجه في وقت سابق غضبة شرسة من قبل بعض الأحزاب، بعد تصريحاته التي قال فيها إن الأحزاب التي يجب أن تبقى هي تلك التي خرجت من رحم الشعب وحصرها في أربعة أحزاب، وهو ما أثار موجة من الانتقادات من طرف عدد من الهيئات السياسية التي اعتبرت نفسها مستهدفة بكلام الأمين العام، رغم التصريحات التي تلت ذلك والتي حاولت احتواء التداعيات بالقول إن كلام بنكيران يساء تأويله دائما. كما أن فتح صفحة جديدة من التوتر مع الداخلية يأتي في وقت أصبح فيه الحزب مهددا بخروج مذل من تسيير مجلس مدينة الرباط بعد أن وضع حزب الأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية العمدة الاتحادي فتح الله ولعلو أمام خيارين لا ثالث لهما، إما إعادة النظر في تركيبة المجلس المسير في اتجاه طرد العدالة والتنمية، وإما مقاطعة الدورات، وهو نفس السيناريو الذي قد يتكرر بمدينة سلا، وهو ما جعل لحسن الداودي عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية يصف هذا الوضع ب«المرض» الذي يهدد المجالس المنتخبة ما سيجعلها تدخل في متاهة تحركها الرغبات الشخصية والتهافت على «البلايص» حسب الداودي. نزيف الاستقالات وتنامي الغضب داخل صفوف عدد من منتسبي حزب العدالة والتنمية يأتي في الوقت الذي تسببت فيه خرجات الأمين العام عبد الإله بنكيران في وضع الحزب من جديد في مواجهة مع الداخلية بسبب التصريحات التي عبر فيها عن استغرابه من عدم الإعلان لحد الآن عمن كان وراء أحداث 16 ماي، وهو ما ردت عليه وزارة الداخلية ببلاغ شديد اللهجة اتهم بنكيران بالتشويش، وأكد البلاغ بلغة الأمر أنه «يتعين على الذين لا زالوا يطرحون شكوكا حول هذا الموضوع أن يتحملوا مسؤوليتهم كاملة أمام الرأي العام الوطني وأن يختاروا موقعهم علانية وبكل وضوح، عوض الترويج للشكوك، وأن ينخرطوا كليا في الإجماع الوطني الذي يدين الإرهاب بكل أشكاله وكيفما كان موقعه وصفة مرتكبيه». ندير مومني، أستاذ العلوم السياسية، اعتبر أن ما حدث من استقالات بحزب العدالة والتنمية وعدم تصويت أعضائه على مرشح الحزب بالشمال هو من الآثار التنظيمية الناجمة عن بداية التمايز بين «بروفايل»المناضل الكلاسيكي، و«بروفايل» المنتخب، وهو ما تعيشه الأحزاب التي توسع قاعدتها الانتخابية، إلا أن هذا الأمر يأخذ شكلا خاصا داخل حزب العدالة والتنمية لوجود تمايز بين الدعوي والسياسي، وأضاف مومني بأن الآثار المتوقعة لهذا المعطى سيكون لها انعكاس على عرض العضوية داخل الحزب، الذي يعتمد نمطين الأول يميز بين عضو مشارك وعضو عامل، والثاني هو نمط العضوية السريعة الموجه بالأساس إلى من لديهم انتدابات انتخابية ومسؤوليات، وبالتالي فإن كل خيار تنظيمي تكون له كلفة يتعين على الحزب دفعها. مومني أشار إلى أن تصريحات بنكيران التي تعتبر أخطاء تواصلية من طرف بعض المتتبعين يمكن جعلها محط تساؤل حول ما إذا كانت أخطاء تواصلية فعلا، أم هي عناصر تدخل ضمن استراتيجية تواصلية إرادية، وأضاف مومني بأن هذا النوع من الخرجات يهدف إلى تقليص الكلفة التنظيمية والإبقاء على المستوى الدعوي في المجالات الثقافية والاجتماعية والأخلاقية. وارتباطا بتصريحات بنكيران المتعلقة بأحداث 16 ماي، أوضح مومني أن لاشيء يمنع من تفسيرها كمحاولة من الحزب للتموقع كوسيط ضروري بين الدولة والسلفية الجهادية، وشدد مومني على أنه من الصعب في الوقت الحالي تقييم نتائج هذه الاستراتيجية لكن ردود الفعل إزاءها تكشف أن النتائج ليست إيجابية على الأقل في المدى القصير. وبعيدا عن خطاب الاستهداف، الذي يشهره حزب العدالة والتنمية، فإن الواقع وتطورات الأحداث يؤكدان أن هذا الأخير يعيش أزمة داخلية غير مسبوقة جاءت في وقت حرج، بالنظر إلى اقتراب موعد الاستحقاقات البرلمانية، بعد أن تعرض الحزب لعدد من الرجات العنيفة في ظرف وجيز، خاصة بعد أن اختار 13 مستشارا عدم التصويت على مرشح الحزب بالشمال، وهو ما دفع القيادة إلى التفكير في اتخاذ قرارات تأديبية قد تصل إلى الطرد، ثم انضافت إليها فضيحة شريط الرشوة الذي كان بطله رئيس بلدية ميدلت. كما قدم تسعة من أعضاء جماعة سيدي الطيبي رسالة استقالة إلى الأمين العام تتضمن سلسلة من الخروقات، التي نسبت إلى رئيس الجماعة المنتمي لحزب العدالة والتنمية، ومنها انفراده بالتسيير، والتقدم بشكوى ضد بعض الأعضاء إلى السلطة المحلية، وتبذير المال العام وتوظيف الأشباح وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول المستقبل الانتخابي للحزب وبهذا الخصوص أكد مومني على وجود أمرين يتعين أخذهما بعين الاعتبار، وقال إن هذه الأحداث التنظيمية تسائل بقوة المسطرة الخاصة بالترشيح للانتدابات الانتخابية بالحزب الذي يعتمد على مسطرة خاصة تحد من الطموحات السياسية لعدد من أعضائه، والأمر الثاني حسب مومني، هو استراتيجية الحزب في الترشيح والانتشار المجالي، حيث يلاحظ أن حزب العدالة والتنمية يقدم مرشحين لهم حظوظ في مناطق يغلب عليها الطابع الحضري ويبذل مجهودا كبيرا في هذه المناطق ما يجعله يتكبد خسارة في تحويل الأصوات إلى مقاعد، وشدد مومني على أن هذا المعطى مرتبط بمشكل يتعلق بالحزب ولا علاقة له بأي سبب خارجي.