رحيل الزعيم النقابي المحجوب بن الصديق، الذي ظل على رأس نقابة الاتحاد المغربي للشغل طيلة أزيد من نصف قرن من الزمن، يطوي حلقة أخرى من الحلقات الأخيرة في تاريخ المغرب التي بدأت تنفرط مع رحيل الرعيل الأول الذي عايش مرحلة الاستعمار ومرحلة الاستقلال فمرحلة الانتقال من عهد السيبة إلى عهد المخزن ثم عهد الدولة الحديثة، مرورا بجميع التحولات السياسية والاجتماعية التي عاشها المغرب المعاصر. وبرحيل هؤلاء تباعا، بدأت هذه المرحلة تتوارى إلى الخلف بالنسبة إلى الأجيال الجديدة التي لم يقدر لها أن تعرف الكثير عن ماضيها، وأخذت ذاكرة المغرب المعاصر تتقلص تدريجيا بتقلص عدد الشهود على تلك المرحلة. رحل المحجوب بن الصديق دون أن يخلف وراءه مذكراته، التي من المؤكد أنها كانت ستكون في غاية الأهمية بالنسبة إلى الجيل الجديد من أجل قراءة جزء مهم من تاريخ المغرب السياسي، ويضاف الزعيم النقابي الراحل إلى قائمة عدد من الشخصيات الوازنة في الحياة السياسية ببلادنا التي رحلت دون أن تترك وراءها سجلات ذكرياتها، إذ الواضح أنه في غياب تقاليد علمية للبحث في تاريخ المغرب وغياب مراكز للبحث والتوثيق، تبقى الشهادات الشفوية الحية هي الوسيلة الوحيدة للتعرف على الماضي، ويزداد هذا الأمر أهمية مع ملاحظة عدم وجود وثائق كافية لإضاءة تلك المرحلة، لأن الثقافة الشفوية في المغرب كانت هي المهيمنة بشكل أكبر.