الحد من هدر الزمن المدرسي أحد التحديات المطروحة، اليوم، في المدرسة العمومية، إذ إن 03 في المائة من الزمن المدرسي، حسب إحصاءات رسمية، يتم هدرها، سواء بالعودة المتأخرة من العطل أو بالذهاب المبكر لها أو بالغيابات غير المبرَّرة، ناهيك عن النزيف الكبير الذي تعرفه الحصص كل يوم، لكون التلاميذ لا يلتحقون بفصولهم الدراسية عقب الاستراحتين الصباحية والمسائية إلا بعد مرور 02 دقيقة أحيانا.. وأحيانا أخرى، وتحت ضغط الخصاص في القاعات، يضطر التلاميذ للتنقل من قاعة إلى أخرى، وهذا يتم اقتطاعه من الزمن المخصَّص للتعلم،. يضاف إلى هذا أن قلة الملحقين التربويين أو انعدامهم يضع الحراس العامين المكلفين بمنح أوراق الغياب غيرَ قادرين على تأمين عودة هؤلاء التلاميذ إلى فصولهم الدراسية في وقت قياسي، ولا ينتهي الحراس العامّون من هذه العملية إلا بعد مرور ثلث الحصة. وفي أحيان كثيرة، لا يتم قبولهم من طرف المدرسين. ولأن أغلب المؤسسات العمومية لا يتوفر على خطط بديلة لاحتضان هؤلاء التلاميذ، إما لعدم توفر القاعات أو الأطر، فإنهم يخرجون إلى الشارع... والظاهرة الأسوأ هي عندما «يتواطأ» بعض المدرسين وبعض الإداريين مع التلاميذ في الغياب، بحجة أن موادهم ليست مدرَجة في الامتحانات الموحدة بالنسبة إلى بعض المدرسين، في حين أنهم يختارون هذه الصيغة لتجنب الاصطدامات مع التلاميذ، أو لأن «العرف» في المؤسسة يقتضي أن الإدارة لا تهتم بالغياب.. والنتيجة أننا نكون إزاء نزيف خطير للزمن المدرسي.. وإلى يوم الناس هذا، ما تزال الأغلبية العظمى من التلاميذ في المدرسة العمومية لم يلتحقوا بعدُ بمدارسهم، لتكتمل ثلاثة أشهر فعلية من العطلة بالنسبة إلى أغلبية تلاميذ المستويات التعليمية العمومية. ولدى تلاميذ بعض المؤسسات التعليمية بدأت العطلة في منتصف ماي وما تزال مستمرة إلى اليوم، أي ثلث سنة دون تعليم وتعلم.. ولنتصور حجم الثغرة التي ستُخلِّفها أربعة أشهر متتابعة من العطلة على التكوين العقلي والنفسي للمتعلم.. وإذا قمنا بعملية حسابية بسيطة لعدد الأيام التي قضاها تلميذ يبلغ من العمر خمسة عشرة سنة دون تعليم، وهي السن الإلزامية التي تصادف انتقال التلميذ إلى التعليم الثانوي التأهيلي، فإننا نحصل على ما يقارب أربع سنوات، أي أزيد من 0031 يوم دون تعليم وتعلم!.. يضاف إلى هذا الهدر الخطير لأزمنة التعلم تخلي أسر التلاميذ في التعليم العمومي، بطريقة شبه نهائية، عن أدوراها التربوية، المتمثلة في المتابعة والدعم والتقويم المندمج وانحصار دَور المؤسسات الثقافية المدنية، والتي كانت تقوم إلى وقت قريب بأدوار تعليمية رائدة. وفي المحصلة، يكون لدينا تلميذ في التعليم الثانوي التأهيلي بمؤهلات كفائية ومعرفية لتلميذ في الابتدائي.. أي بخصم السنوات الأربع المهدورة من خمسة عشرة سنة. يكفي أن نقول إن هناك تلاميذ عاجزين عن كتابة أسماء شُعَبهم ومسالكهم باللغة الفرنسية والإنجليزية، فيكتبون، مثلا، شعبة الآداب العصرية باللاتينية كما تنطق، أي «Adab asria».. وآخرون لا يفرقون بين الاسم العائلي والشخصي. أما أن يقرؤوا رواية la boite à merveille المقرَّرة في السنة الأولى من سلك الباكلوريا ويفهموها ويتذوقوا لغتها، فهذا من مستحيلات الزمن!.. صحيح أن غياب المدرسين يعتبر عاملا لاستفحال هدر الزمن المدرسي، كما أشارت إلى ذلك مذكرة «تأمين الزمن الدراسي وزمن التعلم»، لكنه، بكل تأكيد، ليس العاملَ الوحيد، بل هناك أخطاء تدبيرية يشارك فيها الجميع: مدرسون وإداريون وجمعيات آباء، فمثلا عندما يقع سوء فهم بين تلميذ ومُدرِّس، لسبب تربوي وتواصلي في عمقه، فإن المُدرِّس يطرد التلميذ من الفصل، وإرضاء ل«نزوة» المدرس وصونا ل«كرامته»، فإن الحارس العامّ لا يلجأ إلى تطبيق القوانين الجاري بها العمل، بل يتواطأ مع المدرس في هذا الطرد إلى حين «صدور العفو» من المدرس، وهذا يمتد أحايين كثيرة لأيام، ونفس الأمر عندما يقع سوء فهم بين التلميذ والإداري حول مسألة ثانوية، كاللباس أو استعمال الهاتف.. إن حرص الوزارة على التطبيق الصارم لقانون الغياب بالنسبة إلى الموظف لا يعتبر ناجعا في حد ذاته، للحد من هدر الزمن المدرسي، ما لم يتمَّ إشراك قطاعات عمومية تساهم بهذا القدر أو ذاك في استفحال المشكلة. غير أن واقع حالها يثبت أنها غير معنية بإصلاح قطاع التعليم، كقطاع الصحة، إذ هناك أطباء في القطاعين العام والخاص يعطون شواهد طبية لموظفين لم يطلعوا قط على حالاتهم!.. وفي حالات كثيرة، يحصل الموظف المتغيب على شهادة طبية بالهاتف أو ترسل له من طرف «طبيب العائلة» من مدينة أخرى، وفق تاريخ متَّفق عليه مسبقا.. ينطبق الأمر نفسه على قطاعَي الإدارة الترابية والأمن، فيمكنهما الإسهام في الحد من المشكلة، ففي إنجلترا مثلا، عندما تصادف الشرطة المحلية طفلا أو مراهقا في الشارع أو في محل عمومي في أوقات الدراسة، فإنها تتجه به فورا إلى ذويه، لمعرفة أسباب عدم تواجده في المدرسة.. كما أن العاملين في المحلات التجارية مجبرون على الإبلاغ عن كل طفل أو مراهق يتواجد في أوقات الدراسة خارج المدرسة، فيغرم الآباء مئات الأورهات لتساهلهم في تعلم أبنائهم، بل قد يصل الأمر إلى حد انتزاع الوصاية على الطفل وإدخاله في برامج الرعاية الخاصة بالدولة.. أما في هولندا، فالأسرة التي تضطر لتأخير موعد التحاق أبنائها بالمدرسة، تضطر لتقديم تفسير كتابي مُقنِع لذلك في نهاية السنة، وإلا فالغرامات الثقيلة تنتظرها.. أما في بلادنا، فيبدو أن قطاع التربية لا يهم إلا العاملين في القطاع، وهذا في أحسن الأحوال، فمثلا يعمل بعض قادة المقاطعات، كل بطريقته الخاصة، على إلزام المواطنين بالمشاركة في الحملة الوطنية للتضامن، وفي الانتخابات والحملات الطبية، كالتلقحيات، ولا يقدرون على القيام بالأمر نفسه لإلزام الأسر بإلحاق أبنائها بالمدرسة في الوقت المحدد، فرغم أن الموعد الرسمي للدخول المدرسي هو ال16 من الشهر الحالي، فإن عملية التسجيل ما تزال مستمرة إلى وقتنا هذا، وكأن المسألة عادية، مع أنه يجب تغريم الآباء المتساهلين.. كما يمكن لقطاعي الأمن والإدارة الترابية الإسهام القوي في هذه العملية..