اتهم مشاركون في ندوة دولية حول موضوع «إصلاح القضاء في العالم العربي: ضرورة أم اختيار؟»، الحكام العرب بتجريد السلطة القضائية من استقلاليتها عن باقي السلط، مما يزعزع ثقة المتقاضين في مرفق العدل. وانتقد المشاركون في هذا اللقاء، أول أمس السبت بالرباط، الوضعية العامة التي يوجد عليها قطاع العدل في الوطن العربي، مؤكدين أن عدم استقلالية القضاء يبقى القاسم المشترك الأبرز الذي يوحد معاناة المتقاضين في محاكم الدول العربية، وإن كان ذلك على درجات. وساق المشاركون المغاربة مثالا على المس باستقلالية القضاء بالمغرب أمام «أوامر السلطة التنفيذية» بوضع المجلس الأعلى للقضاء، الذي هو مؤسسة تابعة للسلطة القضائية اصلا إلا أنه «يدين بالولاء لوزير العدل، كسلطة تنفيذية، الذي يترأسه بالنيابة عن ملك البلاد». وطالب المشاركون، في ختام هذه الندوة التي نظمتها المنظمة العربية للمحامين الشباب، ب«التنصيص على القضاء كسلطة دستورية، وضمان استقلالية المجلس الأعلى للقضاء باعتباره أسمى درجات التقاضي عن السلطة التنفيذية». وأوصى المشاركون ب«تخصيص ميزانية مستقلة للمجلس الأعلى للقضاء، ودعوة الحكومة كسلطة تنفيذية إلى عدم التدخل في القضاء بشكل مباشر أو غير مباشر»، في إشارة إلى «جعل القضاء سلطة حقيقية مستقلة بكل مقوماتها الدستورية والقانونية والإدارية والمادية، عن أوامر وزير العدل». واعتبر المشاركون أن إصلاح القضاء وتأهيله، من أجل الارتقاء بالعدالة إلى مستوى أحسن بالمغرب كما بدول عربية، «رهين بوجود إرادة سياسية، تسمو به عن درجة جعله مجرد آلية لتصريف وإدارة المشاكل اليومية للجهاز القضائي». وأوضح المشاركون، أن اختلال استقلالية القضاء «يؤثر مباشرة على الضمانات الفعلية لقيام شروط المحاكمة العدالة، مطالبين في هذا السياق «بضرورة تفعيله (الضمانات) وفق المبادئ والمعايير الأممية المعتمدة التي من ركائزها الحق في الدفاع». وصادق المشاركون على «إعلان الرباط»، ومما جاء فيه׃ «الدعوة إلى إحداث هيئة عربية لدعم استقلال وإصلاح القضاء في الوطن العربي، يتم عقد مؤتمر تأسيسها ووضع هياكلها في نوفمبر المقبل»، وطالب المشاركون المغرب والدول العربية بالمصادقة على نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية. وقال عبد الواحد الراضي في افتتاح هذه الندوة في كلمة ألقاه بالنيابة عنه المفتش العام لوزارة العدل، إن «أمن وطمأنينة أي مجتمع يكمنان في جانبهما الأكبر في ثقة المجتمع في قضائه». وأبرز وزير العدل أن «هذين العنصرين لا يتوفران إلا من منطلق أخلاقيات تعتبر رافعة وسلاحا للدفاع عن مهنة منفتحة على العموم تقتضي الاشتغال ضمن مفهوم الأمن القانوني، باعتباره يمر عبر الأهلية المهنية والنزاهة والاستقامة». وأكد رضوان بن خضراء المستشار القانوني للأمين العام للجامعة العربية، على «أهمية فتح نقاش حول المشاكل التي يعاني منها القضاء في العالم العربي واقتراح الحلول لها وبحث أفضل السبل لتفعيل الضمانات الدستورية والقانونية لفصل السلطات واستقلال القضاء». وشدد بن خضراء على «أن إصلاح القضاء وضمان استقلاليته وتطوير أجهزة العدالة هو خيار وضرورة لا بد منهما من أجل بناء دولة القانون القائمة على العدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان وحماية مصالح الأفراد والمجتمع». وأقر خالد الطرابلسي، أمين عام المنظمة العربية للمحامين العرب، في تصريح خاص ب«المساء» ب«وجود تدخل مباشر وغير مباشر للسلطة التنفيذية في القضاء المغربي»، ما يفرض وفق قوله «التعجيل بإصلاح هذا الجهاز». واعتبر الطرابلسي، وهو محام مغربي، أن إصلاح القضاء وتطويره وتحسينه ضرورات ومداخل كبرى للحداثة والديمقراطية وبوابات لولوج دولة المؤسسات لدعامة التنمية الشاملة والمستدامة».