عاش حي «فاس الجديد» المجاور للقصر الملكي بمدينة فاس، ليلة الأربعاء/الخميس الماضية على إيقاع جريمة قتل مروعة استعملت فيها الأسلحة البيضاء وراح ضحيتها شاب في مقتبل العمر كان، قبل أن يتم تسريحه منذ حوالي شهر، يعمل بقطاع النظافة لدى الشركة المكلفة بتدبير نفايات المدينة. وألقت السلطات الأمنية، في ظرف لم يتجاوز الساعة عن ارتكاب الجريمة، القبض على ثلاثة شبان متهمين بالوقوف وراء قتل «م. أ» الذي يبلغ من العمر 25 سنة. فقد ظل الشبان الأربعة، طبقا للتحقيقات الأولية، طيلة الليلة يعاقرون الخمر، قبل أن «تتفرق» بهم السبل بعدما لعبت الخمر بعقولهم، وبدؤوا في تبادل السب، قبل أن تستل «السيوف» ل«حسم» النزاع. وقال أحد أفراد عائلة الضحية إنها تجهل ملابسات تواجد ابن العائلة وسط هذه المجموعة، قبل أن تخبر من قبل بعض الجيران بإصابة ابنها إصابات عدة أنهت حياته، وخلفت إصابة والدته التي تدخلت لإنقاذ ابنها حيث نقلت إلى قسم المستعجلات لتلقي العلاجات بعدما فقدت بعض أصابعها. وتلقى المستخدم السابق بقطاع النظافة عدة طعنات في مختلف أنحاء جسمه، وفارق الحياة وهو على متن سيارة الإسعاف في طريقه نحو المستشفى الجامعي الحسن الثاني، فيما احتفظت السلطات الأمنية بكل من «ك.م»، ويبلغ من العمر 27 سنة، و«ع.ن»، وعمره 30 سنة، و«ع.ت»، ويبلغ من العمر 28 سنة، رهن الاعتقال في انتظار إنهاء التحقيقات معهم، قبل عرضهم على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بفاس. وعاشت عدة أحياء بمدينة فاس، مباشرة بعد توديع شهر الصيام، أعمال «فوضى» ساهم فيها استئناف «الكرابة» ومحلات بيع الخمور والحانات والنوادي الليلية تقديم «خدماتها». وشنت السلطات الأمنية حملات على عدد من المناطق السوداء بالمدينة, أفضت إلى اعتقال العشرات من الأشخاص بتهمة السكر العلني وخلق الفوضى في الشارع العام. وشملت هذه الحملات اعتقال بعض «الكرابة» في كل من «باب الخوخة» و»حي لابيطا»، وهي من أبرز الأحياء التي تشكو ساكنتها من «انتشار» مروجي المخدرات والخمور. وبالرغم من هذه الحملات، فإن ساكنة حي «لابيطا»، وهو من أهم الأحياء الشعبية بمنطقة المرينيين بالمدينة، لجأت إلى إعداد «عريضة» تحمل توقيعات العشرات منهم، وجهوا نسخا منها إلى كل من وزير الداخلية ووالي أمن فاس ووالي الجهة ووكيل الملك بها، يخبرونهم فيها ب«انتشار» مروجي الخمور والمخدرات بحيهم، ما ساهم في «انتشار الجريمة بشكل خطير أفقد السكان الاستقرار، وحرم الأبناء من التربية السليمة». وتقول هذه العريضة إن هؤلاء المروجين الذين يذكرون بعضهم بالأسماء والألقاب وأمكنة الإقامة ، معروفون للجميع. وقد سبق لعمدة فاس أن أعلن، خلال ندوة صحفية عقدها نهاية شهر غشت الماضي، عن مشروع تثبيت حوالي 265 كاميرا للمراقبة في مختلف الشوارع والأماكن العمومية بالمدينة، وذلك ل»محاصرة» الجانحين، ومنعهم من ارتكاب الاعتداءات والسرقات في حق المواطنين. وحدد شهر شتنبر كموعد لبدء انطلاقة هذا المشروع الذي كلف المجلس الجماعي غلافا ماليا قدره 20 مليون درهم. لكن المشروع الذي أكد بأنه سيتم تنفيذه بتنسيق مع الإدارة العامة للأمن الوطني لم ينطلق بعد، على الرغم من أن شهر شتنبر وهو الموعد المحدد قد شارف على الانتهاء. وتنظر جل الفعاليات المعارضة للعمدة شباط بعين «الاستخفاف» إلى هذا المشروع، مشيرة إلى أن كاميرات المراقبة لا يمكنها أن «تلجم» الشبان المنحرفين، نتاج ما يعرف ب«أحياء البؤس»، في وقت تكاد تنعدم فيها فرص الشغل بالمدينة بعدما تراجعت أحياؤها الصناعية وأغلق عدد من معاملها، وفرض على عدد كبير من ساكنة هذه الأحياء المهاجرة من الضواحي إما «التخفي» وراء مهن بسيطة عبارة عن «بطالة مقنعة»، أو «الركون» إلى بطالة بدون أي مدخول. وعاشت المدينة، في السنوات الماضية، على إيقاع جرائم مروعة دفعت ساكنة عدد من أحيائها إلى تنظيم تظاهرات تحتج من خلالها على «تنامي» الإجرام بها. وتدخل كل من حزب الاستقلال الذي يسير المدينة، وحزب العدالة والتنمية، والذي كان في خانة المعارضة في تلك المرحلة، للمشاركة في هذه الاحتجاجات. وبالرغم من أن محمد عروس، والي ولاية الأمن يعتمد في تدبير الشأن الأمني بالمدينة على سياسة «الأبواب المفتوحة» في وجه كل الجمعيات والوداديات السكنية وجزء كبير من الصحافة المحلية والأحزاب السياسية، إلا أن الوضع الأمني بالعاصمة العلمية يظل مفتوحا في أي لحظة على جميع الاحتمالات المفاجآت، بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الهشة التي تعيشها ساكنة الأحياء الشعبية التي «انتفخت» بالبناء العشوائي وتزايد الهجرة، في غياب فرص الشغل والنقص الحاد في البنيات الترفيهية وانتشار المخدرات والأقراص المهلوسة. وغالبا ما تطال انتقادات الساكنة أيضا بعض رجال الأمن الذين يتهمون أحيانا ب«التقاعس» في أداء الواجب، وأحيانا أخرى ب«غض الطرف» عن المنحرفين، وتوجه انتقادات «التساهل» في التعامل مع ملفات المجرمين من ذوي السوابق القضائية في عالم الإجرام للسلطات القضائية. وغالبا ما يعود المحكوم عليهم على خلفية هذه الملفات إلى نشاطاتهم، وفي جل الحالات بحدة أكبر وب«تقنيات» أكثر تطورا. ويعقد هذا الوضع الأمني مهمة جلب المستثمرين إلى المدينة، كما يرسم صورة مشوهة للعاصمة العلمية في أذهان زوارها والراغبين في القدوم إليها. فقد قررت إحدى المهاجرات المغربيات المقيمات في هولندا أن «تقاطع» هذه المدينة، بعدما تعرضت ل«اعتداء وسرقة وترهيب بالسلاح الأبيض في واضحة النهار». وقالت زهور بناني، في شكاية اختارت أن توجهها إلى عدة جهات حكومية ومحلية من بلد إقامتها، إن «فاس أصبحت مدينة غير صالحة للعيش بسبب اللصوص والمجرمين». وحكت أنها وبينما كانت رفقة بنتيها يتجولن في حي حديقة 2 واد فاس بمدينة فاس مساء يوم 27 يوليوز، اعترض طريقها أحد «المجرمين» وبيده خنجر مسلول وهددها قبل أن يهوي على قفاها ورأسها بضربة قوية من يده اليمنى وخطف سلسلتها الذهبية وفر نحو وجهة غير معروفة. وأصيبت حينها، طبقا لشكايتها، بغيبوبة تلتها حالة رعب وخوف ومرض نفسي قالت إنها لازالت تعاني منه حتى بعد عودتها إلى هولندا. وتحدثت عن أعراض نفسية وبدنية سببها لها هذا الاعتداء لا زالت تلازمها «كرهتها» في العودة مجددا إلى المغرب الذي لم تعد تشعر فيه بالأمن لا على نفسها ولا على ممتلكاتها وأهلها. وهو نفس الإحساس الذي انتقل إلى بنتيها اللتين تلحان عليها من أجل بيع محل إقامة العائلة في فاس وشراء «عوض عنها في اسبانيا أو تركيا»، تضيف هذه الشكاية التي طالبت فيها المشتكية بالحصول على «تعويضات نتيجة الأضرار النفسية والبدنية التي سببها لها الاعتداء والسرقة والضرب».