هذه مجموعة من بعض النصوص التي ترجمتها في السنوات القليلة الماضية من اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى مقالات كتبتها لترافقها. وهذه النصوص عبارة عن مواد ثقافية متنوعة في السياسة، التاريخ، الاجتماع، الأدب العلم، الفن، والطب النفسي. ودافعي لترجمة هذه النصوص- في المقام الأول- هو تأثري بشخصيات قائليها ونبل المبادئ التي يدعون إليها في معظم النصوص، أو أهمية الموضوعات وكونها قد تكون غير معروفة تماما بالنسبة إلى القارئ العربي كما في بعضها الآخر. - مويرز: أجد مشقة كبيرة في هضم فكرة الواقعية السحرية. كيف يمكن أن تشرحيها لو سئلت في محاضرة؟ أو هل يمكن أن تصفيها؟ ألليندي: هي أداة أدبية توجد بكثرة في أدب أمريكا اللاتينية. هي في الواقع قبول كون العالم غامضا وتكتنفه الأسرار، وأن الأشياء التي تحدث قد لا نستطيع تفسيرها. ولكن إذا قبلناها نستطيع إضافتها إلى حياتنا وكتاباتنا بطريقة طبيعية. بالنسبة لي، هناك مثل جميل هو رواية «مائة عام من العزلة» لغارثيا ماركيز. ما حدث في البلدة هو أن الفتاة ريميديوس حملت، والعائلة تقول إنها قديسة، وأنها صعدت - بروحها وجسدها - إلى الجنة. ولذلك، فإن ماركيز، الذي سمع القصة مرات عديدة، حاول كتابتها مرات عدة، ولكنه لم ينجح لأنها لم تكن مقنعة. والأدب لابد أن يكون مقنعا، بينما هذا من النادر في الحياة. ولذلك، فإن ماركيز أضاف مشهد الملاءات. كانت (الفتاة ريميديوس) تعلق الملاءات وأتت ريح وأخذتها إلى السماء. وهكذا أصبحت واقعية سحرية! إنها شيء (عجائبي) يشرح ما حدث، ويجعلك تصدق القصة، تم تستسلم لغموضها. - مويرز: وهذا ما فعلته أنت في كتابك الأخير. أنت استسلمت لغموض هذه العواطف.. هذه العواطف.. هذه العواطف المتعارضة التي شعرت بها وأنت شابة. هل هذا صحيح! ألليندي: نعم. - مويرز: أعني أنت.. أنت لا تجيبين في الواقع عن التناقض هنا! ألليندي: أنا لا أحاول لأنه لا توجد إجابات صريحة ومباشرة في الحياة. لقد عشت ما يكفي لكي أعرف أننا في أغلب الأحيان نسير في دوائر. طبيعة الحياة هي التغيير. طبيعة الحياة هي الضبابية والأسئلة. لدي أسئلة كثيرة جدا، وأجوبة قليلة جدا! - مويرز: سوف أسألك عن كتابك «باولا».. ابنتك. كم كان عمرها عندما توفيت؟ ألليندي: ثمانية وعشرين عاما. - مويرز: وعاشت سنة في غيبوبة؟ ألليندي: نعم. - مويرز: ما السبب؟ ألليندي: باولا كانت لديها حالة مرضية اسمها «بورفيريا»، ولم تكن مميتة، كانت باولا في إسبانيا عندما أصابتها أزمة، وأخذت إلى المستشفى. أعطوها الدواء الخطأ، ودخلت في غيبوبة لم يستطيعوا السيطرة عليها. عندما استطعت إحضارها كانت خلايا مخها قد أتلفت تماما. اعتنيت بها في بيت مع عائلتي. وكانت سنة فظيعة.. وسنة عظيمة أيضا. - مويرز: كانت معك لمدة سنة؟. ألليندي: لمدة سنة. - مويرز: فظيعة وعظيمة! ماذا تعنين؟! ألليندي: كانت فظيعة لأنها مؤلمة.. ألم الحزن، وألم الأمل.. الذي قد يكون أكثر ألما من أي شيء آخر. - مويرز: كيف ذلك؟ ألليندي: لأنك تأمل وتأمل ثم تكتشف أنه لا يوجد أمل سوى أن تموت بدون أمل! وكانت سنة عظيمة لأنني في تلك السنة نحيت جانبا كل ما ليس ضروريا للحياة. وفي نهاية السنة كنت أظن أنني نحيت كل شيء، وأنه لا شيء قد بقي. ولكنني اكتشفت أن هذا غير صحيح.. كان لدي ما أعطيه لها. أنا لا أعرف إن كانت قد شعرت بالحب والعناية اللذين أعطيتهما لها. ربما لم تشعر لأنها كانت مثل قطعة الخضر (شبه ميتة). ولكن ما أعطيناها - كعائلة - جعلنا نشعر أننا ازددنا قوة. شعرنا أنها وحدتنا بطريقة عظيمة. لقد نزعت عنا كل خوف. - مويرز: الخوف مماذا؟ ألليندي: الخوف من الحياة. الآن لست خائفة كما كنت سابقا. ما أسوأ ما يمكن أن يحدث يا بيل؟ الموت؟! هذا سيحدث للجميع. - مويرز: أنت لست خائفة من الموت ؟! ألليندي: أبدا.. أبدا. - مويرز: أنت إنسانة آسرة من حيث إن حياتك تأثرت بالعنف: 11 سبتمبر 1973 وعنف 11 سبتمبر 2001، وأيضا وفاة ابنتك، الذي لم يكن عن طريق العنف ولكن بألم رهيب. ومع هذا - يمكنني القول - أنك مرحة ومبتهجة! ألليندي: حياتي جيدة. حياتي عبارة عن خسارة وألم.. أيضا نجاح كبير وسعادة وحب. حياتي فيها كل شيء. أنا لا أطيل التفكير في اللحظات السيئة ولا اللحظات الجيدة أيضا. أنا لا أغتر بشهرتي. أنا أعتقد أن ذلك غباء؟ ولذلك.. الحياة ليست سيئة. - مويرز: هل تفكرين في الخلود؟ ألليندي: كلا. لا أريد أن أكون خالدة بأي طريقة. أريد فقط أن أجتاز تلك العتبة، وأغيب في أي شيء هناك. بحر من الروحانيات. أختلط به. وربما يوما ما آخذ شكلا آخر. لا أدري، ولا يزعجني ذلك. أحس أحيانا بأنني سأعيش مادام أحفادي يتذكرونني. أنا أتذكر أشياء كثيرة عن جدتي، والأشياء التي لا أتذكرها أخترعها. هي تعيش معي. وطالما كنت حية ستعيش معي وستبقى حية. والشيء نفسه سيكون بالنسبة لي. أعتقد أن أحفادي سيتذكرونني لأن بصماتي تصورت عليهم. - مويرز: أكثر ما تفعلينه هو اختراع! ألليندي: إنه الخيال.. الخيال! - مويرز: شكرا جزيلا إيزابيلا ألليندي. ألليندي: شكرا بيل. * كاتب ومترجم سعودي مقيم بالمغرب