هذه مجموعة من بعض النصوص التي ترجمتها في السنوات القليلة الماضية من اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى مقالات كتبتها لترافقها. وهذه النصوص عبارة عن مواد ثقافية متنوعة في السياسة، التاريخ، الاجتماع، الأدب العلم، الفن، والطب النفسي. ودافعي لترجمة هذه النصوص- في المقام الأول- هو تأثري بشخصيات قائليها ونبل المبادئ التي يدعون إليها في معظم النصوص، أو أهمية الموضوعات وكونها قد تكون غير معروفة تماما بالنسبة إلى القارئ العربي كما في بعضها الآخر. كرست ألمانيا عام 2005 لتكريم عالم الفيزياء اليهودي الأشهر ألبرت أينشتين (1879 1955) بمناسبة الذكرى المائة لإطلاقه نظرياته العلمية التي كانت بمثابة ثورة في تاريخ العالم. وتم هذا التكريم على الرغم من أن آينشتين غادر بلاده ألمانيا عام 1933 هربا من النازية، ولم تطأها قدماه أبدا بعد ذلك، وأصبح لاحقا مواطنا سويسريا ثم أمريكيا. وسوف نستعرض مقاطع من بعض رسائل آينشتين المهمة، التي وردت في كتاب «سجل قصاصات آينشتين» الذي هو من تأليف زئيف روزنكرانز، الذي يعمل أمينا لأرشيف ألبرت آينشتين في مكتبة بجامعة القدس العبرية، التي أوصى آينشتين بأن تؤول إليها جميع وثائقه الأصلية. صدرت الطبعة الأولى من الكتاب بكمية محدودة في 1998، والثانية في 2002 عن مطبعة جامعة جون هوبكنز الأمريكية. والكتاب يتكون من 199 صفحة من القطع الكبير، ويتضمن صورا فوتوغرافية للكثير من رسائل ووثائق آينشتين الخاصة والمهمة، التي ينشر بعضها لأول مرة كما ذكر روزنكرانز. وفي هذه الرسائل نتعرف على جوانب قد لا تكون معروفة لدى القارئ عن شخصية هذا العبقري. إذ تتناول موضوعات مثل الصراع بين العرب واليهود، والقنبلة النووية، والحرب والسلم، والحرية الفكرية، وأيضا مداعبة الأطفال! العرب واليهود ودولة إسرائيل كان آينشتين يرى أن طريقة معاملة اليهود للعرب في فلسطين هي اختيار لاستقامة اليهود الأخلاقية. ففي 25 نوفمبر 1929 أرسل آينشتين رسالة إلى حايين وايزمان، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، آنذاك جاء فيها: « إذا لم ننجح في الوصول إلى طريق للتعاون الصادق والاتفاق مع العرب، فكأننا لم نتعلم شيئا من محنتنا التي استمرت ألفي سنة، وسوف نستحق المصير الذي سنصل إليه...». وكان آينشتين يدعو إلى دولة واحدة ثنائية القومية في فلسطين حتى حرب 1948، حيث أيد قيام دولة إسرائيل وتقسيم فلسطين إلى دولتين، ولكنه بقي ينتقد ممارسات حكومة دولة إسرائيل فيما بعد. وفي 17 نوفمبر 1952، أرسل أبا إيبان، سفير إسرائيل في الولاياتالمتحدةالأمريكية، رسالة إلى آينشتين يبلغه فيها ترشيح رئيس وزراء إسرائيل ديفيد بن غوريون إياه لكي يكون رئيسا لدولة إسرائيل، على الرغم من كون آينشتين قد حصل على الجنسية الأمريكية منذ 1940. ولكن آينشتين كتب الرد التالي في 18 نوفمبر 1952: « لقد تأثرت جدا بالعرض المقدم من دولتنا الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه شعرت بالحزن والخجل لأني لا أستطيع قبوله. لقد تعاملت طوال حياتي مع الأمور المدركة بالحواس، ومن ثم، فأنا أفتقر إلى الجدارة الطبيعية والخبرة للتعامل كما ينبغي مع الناس وممارسة المهام الرسمية. ولهذه الأسباب، دون غيرها، أنا غير لائق للقيام بواجبات منصب الرئاسة حتى لو افترضنا أن تقدمي في العمر لم يؤثر سلبا على صحتي. إنني أشعر بالأسى لهذه الظروف لأن علاقتي بالشعب اليهودي أصبحت أقوى رابطة إنسانية بالنسبة لي منذ أن أصبحت على علم تام بوضعنا المتقلقل بين الأمم...». * كاتب ومترجم سعودي مقيم بالمغرب