شهدت المحاكم المغربية عددا من القضايا المثيرة التي انتهى بعضها بإصدار أحكام إعدام بالجملة، وسط أجواء سياسية مشحونة تميزت بها فترة الستينيات والسبعينيات، كما عرفت ردهات المحاكم عددا من الملفات التي تحولت إلى قضايا تشغل بال الرأي العام، وهي الملفات التي نرصد أهمها في شكل حلقات تسلط الضوء على الأجواء التي أحاطت بها، والأطوار التي مرت منها المحاكمة. عند هبوط الطائرة بمدرج مطار الرباطوسلا تفرق ركابها، وفي الوقت الذي لجأ فيه الأمير مولاي عبد الله إلى بيت أحد الفلاحين بمنطقة كانت تسمى القرية- «قرية ولاد موسى حاليا» بضواحي مدينة سلا - استعان الحسن الثاني بسيارة صغيرة في ملكية أحد الموظفين ليقطع بها مسلكا ثانويا قبل أن ينعطف إلى الطريق نحو قصره. في هذه الأثناء كانت الطائرات قد عادت إلى القاعدة الجوية وأمام الحالة العصبية التي أصبح عليها الطيارون لم يتم الالتزام بأدنى إجراءات السلامة في عملية الهبوط, فالهاجس الذي كان يسيطر على عقولهم هو الإقلاع مجددا من أجل قصف المطار وإتمام المهمة، غير أنهم لم يكونوا يدركون أن الموكب الملكي الذي تحرك من المطار تم استعماله كطعم، وأن الحسن الثاني وصل سليما إلى قصره بالصخيرات. أمقران وبعد أن تراءى له مخططه الانقلابي وهو يتهاوى، ويحل مكانه سيناريو المذبوح واعبابو توجه نحو طائرة هليكوبتر بعد أن أخبر الباقين بأنه متوجه إلى الرباط بناء على طلب من أوفقير من أجل إنهاء العملية، غير أن الطائرة ستأخذ وجهة أخرى نحو جبل طارق حيث قرر اللجوء إلى هناك، غير أن هذا الاختيار سيفشل بعد أن غلبت بريطانيا كفة مصالحها السياسية والاقتصادية في وقت كان فيه جبل طارق يرزح تحت وطأة حصار إسباني خانق. بداية السقوط وفشل العملية الانقلابية كانت مع تمكن القبطان القباج مستعينا بخبرته كربان للطائرات النفاثة من الوصول بالطائرة والنزول بها سالمة رغم الإصابات الخطيرة التي لحقتها والغريب أن الملك الحسن الثاني حرص على الالتزام الشديد بالبروتوكول المتبع في الاستقبالات الرسمية والملكية من تحية للعلم وسلام على الشخصيات التي كانت في انتظاره، رغم أنه أفلت للتو من موت محقق ونزل من طائرة تندلع منها خيوط الدخان نتيجة القصف، بعدها سرعان ما توالت الأحداث، خاصة بعد أن تمكن الحسن الثاني من الوصول إلى قصره بالصخيرات لينجو من انقلاب استثنائي بكل المقاييس، وهو الأمر الذي زاد من حدة الهالة التي جعلت عددا من المغاربة يؤمنون بأنه يتمتع بقدرة سحرية تمكنه من الإفلات في كل مرة، علما أن هذا الانقلاب جاء في ظرف وجيز بعد أحداث الصخيرات. الطائرات التي قصفت المطار عادت من جديد والتحقت بها طائرات أخرى جربت قصف القصر الملكي، قبل أن يدرك الجميع أن الانقلاب محكوم عليه بالفشل ليضعوا طائراتهم في الباركينغ داخل القاعدة الجوية في انتظار ما ستأتي به الساعات القادمة ،والذي لم يكن سوى تعزيزات عسكرية بالمدرعات حاصرت مقر القاعدة الجوية ،وعملت على اعتقالهم ونقلهم على متن شاحنات مصفحة إلى الرباط حيث مكثوا شهرا ،في الوقت الذي تم فيه إلقاء القبض على كويرة الذي جرب استعمال طائرته من أجل حسم الانقلاب قبل أن يقفز بمقعده في الثواني الأخيرة ويسقط بالمظلة ما تسبب له في كسربيده، ليتم تسليم الجميع إلى الدرك من أجل التحقيق معهم. أوفقير اختفى بعد نزول الطائرة وحسب ما راج خلال المحاكمة فإن الجنرال الحديدي أصدر أمرا بعد أن تيقن من فشل الانقلاب إلى الجنرال بنعبد السلام ليتوجه إلى القاعدة الجوية بالقنطيرة ويذبح كل الطيارين في محاولة لطمس أي أثر قد يربطه بالانقلاب. حصليه المحاولة الانقلابية لسنة 1972 لم تكن ثقيلة كما وقع في الصخيرات وهذه ربما مزية التركيز على استعمال سلاح الطيران في الحروب الحالية، غير أن القاسم المشترك بين العمليتين يبقى هو العشوائية وسوء التخطيط, ويبدو أن أوفقير أفرط في الثقة بنفسه كما وقع مع أعبابو ولم يستفد جيدا من درس الصخيرات. الحسن الثاني، وحسب ما أكده صالح حشاد في برنامج شاهد على العصر، حرص على أن يتم إحضار بعض المتورطين في العملية الانقلابية إليه ومنهم أمقران الذي مثل بين يديه حيث ذكره الحسن الثاني بأنه ارسله للعلاج على نفقته في إشارة إلى أنه عض اليد التي أحسنت إليه، قبل أن يدير الحسن الثاني وجهه نحو بوخليف ويقول له بطريقة في إشارة واضحة إلى المصير الذي ينتظرهما، وقال «كيف استطعت بهاتين العينين الضيقتين أن تصيب الطائرة»، وحسب حشاد فإن بوخليف فهم الرسالة ورد على الحسن الثاني بالقول «لو كنت اعلم منذ البادية بالأمر لتم إسقاط الطائرة» فقد كان يعلم أنه لم يعد لديه شيء يخسره وأن إعدامه مسألة وقت ليس إلا. وإذا كان متزعمو المحاولة الانقلابية لسنة1971 بالصخيرات قد لقوا مصرعهم في ظروف اتضحت فيما بعد, فإن الجنرال الحديدي الذي استطاع أن يوظف هذه المحاولة الانقلابية لتعزيز سلطته ونفوذه داخل مؤسسة الجيش، سيلقى مصرعه بعد فشل المحاولة الانقلابية في ظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غامضة، بعد أن ظلت كفتها تتأرجح ما بين الانتحار وتصفيته أمام أنظار الملك الحسن الثاني.