شهدت المحاكم المغربية عددا من القضايا المثيرة التي انتهى بعضها بإصدار أحكام إعدام بالجملة، وسط أجواء سياسية مشحونة تميزت بها فترة الستينيات والسبعينيات، كما عرفت ردهات المحاكم عددا من الملفات التي تحولت إلى قضايا تشغل بال الرأي العام، وهي الملفات التي نرصد أهمها في شكل حلقات تسلط الضوء على الأجواء التي أحاطت بها، والأطوار التي مرت منها المحاكمة. لائحة القضايا التي فاحت منها رائحة الفساد تضمنت أيضا ملف «امباسادور» وهي شركة كانت تملك أرضا شاسعة في طريق زعير تم إدخالها إلى المجال الحضري وصرفت مبالغ طائلة في تجهيزها على أساس بناء فيلات فاخرة، إضافة إلى قضايا مرتبطة بوزارة الفلاحة، والمندوبية السامية لبناء أكادير، ووزارة الأشغال، وشركة «لاسامير» لتكرير البترول بالمحمدية والتي فر على إثرها بول اوحنا إلى الاتحاد السوفياتي ولم يعد. المتهمون نقلوا بعد انتهاء التحقيق معهم إلى سجن لعلو ليلا ليتم وضعهم في الجناح الأوربي تمهيدا لعرضهم على محكمة العدل الخاصة، بعد أن رفض عدد من المحامين الترافع عنهم ليظلوا في عزلة كاملة لمدة شهر دون تواصل مع عائلاتهم، قبل أن يأذن قاضي التحقيق للأسر بزيارة المعتقلين. ملفات الفساد تجاوزت بعد تعميق البحث 500 ملف، واتضح أن اعتقال الوزراء السابقين ليس إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد،كما أن عددا من التساؤلات رافقت المحاكمة وبعضها تحدث عن كون الأمر لا يتجاوز سيناريو لامتصاص الغضب الشعبي، وتلميع صورة المغرب التي تضررت بسبب المحاكمات السياسية التي صدرت خلالها أحكام إعدام بالجملة، إضافة إلى المحاولة الانقلابية التي أكدت أن هناك أمورا غير طبيعية تحدث بالمغرب. الحسن الثاني أحس أن ما حملته سنة 1971 من أحداث متتالية وخطيرة هي رسالة مباشرة لا تحتمل أكثر من تأويل، لذا حرص في خطابه على استعمال لغة واضحة، وأقر بأن الرشوة أصبحت مثل الوباء وأنها متفشية بداية من موظفي الحالة المدنية إلى موظفي جوازات السفر إلى الرخص التجارية وغيرها. وقال الحسن الثاني ردا على تفشي الفساد في المؤسسات العمومية وأجهزة الدولة، «ليس في إمكاني أن أغير الطبيعة البشرية بل من واجبي أن أغير السلوك الإداري» وأضاف «أقول لجميع الأشخاص الذين يستمعون إلي، أو يشاهدونني على شاشة التلفزة إنني سأعتبر ابتداء من اليوم كل من تدخل في قضية أي شخص سيكون راشيا أو مرتشيا». وشدد الحسن الثاني على ضرورة إعادة النظر في عقاب المرتشين وقال «يجب إعادة النظر في المجالس التأديبية الموجودة، ذلك أنه يوجد أشخاص سرقوا ملايين من الدراهم ويحالون على المجلس التأديبي الذي يكتفي بتوجيه إنذار لهم أو توقيفهم وهذا ما يحبذه هؤلاء الأشخاص ليعملوا في القطاع الخاص». المذبوح الذي كان يفضل أن يلعب دور الشخص المخلص والخادم الوفي عن طريق تقديم ملفات ساخنة للملك الحسن الثاني، كما فعل فيما يتعلق بما يسمى مؤامرة 1963، كان أيضا وراء كشف أمر شبكة الفساد للملك، بعد رحلة قام بها إلى أمريكا بناء على طلب من الحسن الثاني لإعادة الدفء إلى العلاقات بين البلدين، بعد أن أحس الحسن الثاني بنوع من الفتور المريب، وهناك اكتشف المذبوح في أحد ملاعب «الغولف» أمر رسالة وجهت من طرف المدير العام لشركة «بانام» الأمريكية إلى صديقه «وليام روجرس» الذي كان يشغل منصب كاتب دولة، ويكشف فيها تفاصيل عملية الابتزاز التي تعرضت لها الشركة أثناء محاولة تشييد فندق كبير بالدار البيضاء في إطار مشروع استثماري ضخم، بعد أن طلب رجل الأعمال عمر بن مسعود نيابة عن شخصيات وازنة رشوة بقيمة 600 مليون. كان من الطبيعي أن تؤثر هذه الرسالة على نظرة المسؤولين الأمريكيين للمغرب وللطريقة التي يتم التعامل بها مع المستثمرين، لذا تلقف المذبوح أمر هذه الرسالة وعاد بالملف ساخنا إلى الحسن الثاني. التحقيقات التي باشرتها مصالح الأمن بعد اعتقال عمر بن مسعود كشفت بالملموس أن الفساد واستغلال النفوذ تحول إلى ورم سرطاني انتشر بشكل خطير في أجهزة الدولة، وهو ما تبين بعد أن تفجرت فضيحة شركة «لاسامير» التي ارتبطت باسم اليهودي المغربي بول اوحنا بعد أن تبين حدوث تلاعبات خطيرة في صفقات النفط الذي يتم استيراده من الخارج، والغريب أن اوحنا بلغ إلى علمه أن يد الاعتقال ستطوله، لذا استقل الطائرة من موسكو التي كان يزورها لإبرام صفقة نفطية ليحط بباريس، وهناك توارى عن الأنظار بعد أن نجح في جني أموال طائلة من وراء صفقات مشبوهة. كما طفت على السطح، أيضا، فضيحة الجوازات التي تورط فيها 140 متهما، من بينهم يوسف حمزة الذي كان يشغل منصب الكاتب العام لعمالة مكناس، كما تم اعتقال الطنجاوي وهو موظف بوزارة الخارجية إضافة إلى عدد من موظفي وزارة الداخلية. وفي 15دجنبر 1972 أصدرت محكمة العدل الخاصة أحكامها في ما عرف بمحاكمة الوزراء، والملف الذي أثار ضجة كبيرة وصلت أصداؤها إلى الصحف العالمية، انتهى بأحكام باردة لا تتناسب مع طبيعة التهم، حيث تراوحت الأحكام ما بين 12 سنة وأربع سنوات، وهكذا قضت محكمة العدل الخاصة التي أنشئت سنة1965، بالسجن 12 سنة في حق يحيى الشفشاوني، و10 سنوات في حق مامون الطاهري، و8 سنوات لمحمد الجعيدي، و4 سنوات في حق عبد الحميد كريم، فيما أسقطت الدعوى عن محمد العمياني، وتمت تبرئة عبد الكريم الأزرق، فيما أدين رجل الأعمال عمر بن مسعود بثمان سنوات سجنا، كما قررت المحكمة مصادرة الأموال التي استعملت كرشوة، أو التي أعدت لاستعمالها كرشوة، ما مكن المتهمين من الاحتفاظ بثرواتهم لينطبق على هذه المحاكمة المثل الذي يقول «تمخض الجبل فولد فأرا».