التخييم والترفيه في الصيف، بالنسبة إلى الأطفال، تكلفة تخرج من الميزانية العامة للدولة تزيد قيمتها كلما ارتفع عدد المستفيدين في البرنامج الوطني للتخييم. عندما أطلقت الدولة برنامجا وطنيا ضخما للتخييم سُميّ آنذاك «عطلة للجميع»، في عهد كاتب الدولة السابق في الشباب، محمد الكحص، كان معدو الاستراتيجية على علم بأن البرنامج لن يتوقف بين سنة وأخرى. ورغم أنه عرف تراجعا في عدد المستفيدين خلال عهد الوزيرة نوال المتوكل، فإن البرنامج عاد إلى الظهور بقوة، من جديد، مع تولي منصف بلخياط حقيبةَ الشباب والرياضة، قبل سنتين. ضخامة البرامج تغطي، في أحيان كثيرة، على طرح سؤال تكلفتها: كيف أمّنت الدولة إقامة ومأكل 300 ألف طفل مغربي استفادوا هذه السنة من برامج التخييم؟ كم كلّفت العملية برمتها ميزانيةَ الدولة؟ ما هي الجهات التي تتكفل بالمصاريف؟ ما العلاقة التي تربط بين وزارة الشباب والرياضة والجمعيات؟ ما هي آليات المراقبة لصرف الميزانية؟ وهل يكون تدبير مالية المخيمات دائما سليما، سواء من قِبَل الوزارة أو الجمعيات؟ ما هي أهم طرق تحويل أموال المخيمات إلى جيوب البعض؟... كلها أسئلة مرتبطة بمالية المخيمات في المغرب، غالبا ما لا يتم التطرق لها في التقارير الصحافية وهي تقوم بتقييم عمل برامج التخييم، وكذلك الشأن بالنسبة إلى تقارير التقييم، التي تنشرها، كل سنة، الوزارةُ المكلَّفة بالشباب. «الميزانية للجميع».. خلْف شعارات برنامج «العطلة للجميع»، الذي أطلقه الكحص، و«العطل والترفيه»، بالنسبة إلى نوال المتوكل، و«نْتوما وحْنا، المستقبل يْجمعنا»، الذي اختاره بلخياط كشعار لبرنامج التخييم لهذه السنة، (خلْفها) تختفي ميزانيات ضخمة تُخصِّصها الدولة، كل سنة، لتخييم الأطفال، غالبا ما لا تخرج إلى وسائل الإعلام وتبقى «سرا» بين الوزارة والجمعيات المستفيدة.. كلّف برنامج التخييم لهذه السنة ميزانيةَ الدولة غلافا ماليا يصل إلى 11.2 مليار سنتيم، حيث استفاد حوالي 300 ألف طفل من برنامج التخييم الوطني، موزَّعين على 49 مخيَّما قارا، إضافة إلى فضاءات ومخيمات حضرية. كيف يصل مبلغ 11.2 مليار سنتيم إلى الأطفال المستفيدين من التخييم؟ الجواب بسيط، يقول مصدر مسؤول في وزارة الشباب والرياضة، «فالأمر يتعلق بدعم عينيّ مباشر تتوصل به الجمعيات الكبرى في المغرب، التي تنظم المخيمات الصيفية للأطفال»، وزاد موضحا: « توصلت 48 جمعية بما مقداره 330 مليون سنتيم، منها 30 مليون سنتيم خاصة بميزانية التدبير، ويهم هذا الدعم تغذية الأطفال المستفيدين من برنامج التخييم فقط، وهو خارج مصاريف الإقامة والتدبير». في برامج التخييم، تستفيد الجمعيات الكبرى، المعروفة على الصعيد الوطني، كلٌّ على حدة، بدعم عينيّ يتراوح ما بين مليون ومليونَيْ درهم، عبر توفير التغذية والسكن للمستفيدين من برنامج التخييم من الأطفال، كما تستفيد هذه الجمعيات من مِنَح للتسيير، تتوصل بها نقدا، تتراوح ما بين 6 آلاف و100 ألف درهم، إضافة إلى وضع مراكز استقبال، عبارة عن «ميني أوطيل» و49 مخيما قارا وفضاءات ومخيمات حضرية، لا يبيت فيها الأطفال، جميعها رهن إشارات الجمعيات، التي تلعب ما يشبه دور «الوسيط» بين الوزارة والراغبين في التخييم. باستثناء فترة إشراف نوال المتوكل على قطاع الشبيبة والرياضة، والتي شهدت تراجعا في عدد الأطفال المستفيدين من برامج التخييم، حيث انتقلت من 157 ألف مستفيد، في عهد الكحص، إلى أقل من 70 ألف مستفيد على عهدها -حيث تراجع عدد مراكز التخييم وتم إلغاء مخيمات القرب- فإن العدد المصرَّح به من المستفيدين غالبا ما يتجاوز 200 ألف طفل خلال فصل الصيف، وبالتالي فإن الميزانيات المرصودة غالبا ما تتجاوز مئات الملايين من الدراهم، في غياب وسائل مراقبة صرف هذه الأموال، التي تخرج من جيوب دافعي الضرائب. «المالْ السٌايبْ»... تطلق نيابات وزارة الشباب، التي توجد مراكز التخييم في ترابها، بين شهري مارس وأبريل من كل سنة، طلبات عروض خاصة بالتموين بالتغذية، مفتوحة في وجه جميع الممونين لتزويد المراكز بالأغذية الكافية لعدد الأطفال المستفيدين من البرنامج. داخل كل مركز للتخييم يوجد مقتصد للوزارة وآخر خاص بالجمعية يُنسِّقان في ما بينهما عندما تقف شاحنة الممون وهي محمَّلة بالمواد الغذائية، حيث تستفيد الجمعية من الدعم، حسب عدد الأطفال الذين تؤطرهم، بمعيار 20 درهما للطفل الواحد في اليوم.. ولا تشمل طلبات العروض التغذية فقط، يقول مصدر مسؤول، بل تعداه إلى التأمين، الذي أصبح إجباريا عن جميع الأطفال المستفيدين من برنامج التخييم، بالإضافة إلى النقل التكميلي والحراسة، حيث أصبحت مراكز التخييم تتوفر على شركات خاصة للحراسة، ثم طلبات عروض خاصة بالخيام التي تُنْصَب في مراكز التخييم، وهو ما يعني أن مئات الملايين من الدراهم «تدور» في المخيَّمات، مع احتساب جميع الصفقات التي تُبْرمها هذه النيابات في عين المكان، ليطرح سؤال مراقبة تدبير المال العامّ في المخيمات، بحدة، مع توالي تسريب معلومات تتهم الأطراف المشاركة في المخيمات ب«اختلالات في التدبير المالي»، فيما يرى مسؤول أن «أثمنة المواد الغذائية تختلف بين مراكز التخييم، لسبب بسيط، يكمن في كون أسعار المواد الغذائية تختلف من مدينة إلى أخرى في المغرب، فالأسعار في مدينة طاطا ليست كتلك المتعامَل بها في القنيطرة أو أكادير».. وأضاف أن الصفقات تحترم الضوابط القانونية ويتم فتح الأظرفة، بعد إطلاق طلبات العروض، بحضور ممثل عن وزارة المالية وباقي الجهات المعنية المكلفة بمراقبة قانونية الصفقات العمومية. اتهامات «الاختلال المالي» غالبا ما «تتقاذفها» الوزارة والجمعيات في ما بينهما، في غياب مراقبة صارمة لتدبير المال العام في المخيمات، حسب ما أكده مصدر آخر ل«المساء»، والذي تساءل في نفس الآن «عن طرق مراقبة تدبير المال من الطرفين»، مشيرا إلى أنه «في بعض المراكز تعم الفوضى في هذا الجانب، حيث يعاد بيع الدعم من الأغذية التي تتوصل بها بعض الجمعيات وترسو الصفقات على ممونين بعينهم دون غيرهم»، وأكد المصدر أن «ملف التدبير المالي لبرامج التخييم بات حساسا أكثر من اللزوم وحان الوقت لتفعيل آليات مراقبة حقيقية على المال العام، الذي يذهب إلى جيوب البعض، عوض تخصيصه لاستجمام أطفال الشعب من خلال برامج التخييم»!..