سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إنجاز روبورطاج موضوعي عن اليهود المغاربة في إسرائيل كان من أصعب التقارير التي أنجزتها في فلسطين عجبت كيف يوفقون بين حبهم للمغرب وكرههم للعرب وخاصة الفلسطينيين
إنجاز تقرير عن يهود المغرب في إسرائيل، بالإضافة إلى حفدة المغاربة المسلمين وآثارهم في القدس، كان من الأفكار الأولية عندي منذ توصلي بخبر المناقلة إلى القدس. لكنني أقر بأن إنجاز عمل موضوعي ومتوازن عن اليهود المغاربة في إسرائيل كان من أصعب التقارير التي أنجزتها في فلسطين، بسبب صعوبة التوفيق بين بعض العناصر المتضاربة والتي لا يمكن الحديث عن قصة يهود المغرب في إسرائيل دون التطرق إليها. أولا، كيف يوفق يهود المغرب في إسرائيل بين عشقهم الحميمي اللامحدود للمغرب والمغاربة وكراهية معظمهم للعرب عموما والفلسطينيين بشكل خاص؟ وثانيا، كيف يمكنني التوفيق بين كونهم جزءا مني ومن تجربتي الحضارية بل ومن ذكريات طفولتي، ولا أختلف معهم في شيء باستثناء الدين، لكنهم في الوقت نفسه قرروا استيطان بلد ليس لهم وساهموا، بطريقة مباشرة أو غيرها، في تشريد أعداد كبيرة من الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه. هناك جوانب حضارية مشرقة كثيرة للتجربة الأمريكية لو تجاهلنا مؤقتا ظروف الاستيطان القديمة والسياسة الخارجية الحالية وركزنا على حقوق الإنسان والمساواة في الفرص وأمام القضاء والفصل الصارم بين السلط إلى غير ذلك، إلا أن تباهي أمريكا بتعدد الأعراق والأديان، أو تجربة «الإناء المختلط»، لم يبهرني أبدا لأنني عايشته في طفولتي في فاس القديمة وقرأت عنه أيضا في تاريخ المسلمين أيام تفوقهم، خاصة في الغرب الإسلامي وفي الأندلس تحديدا، حينما كان المسلم واليهودي والنصراني مواطنين كاملي المواطنة، يشتركون جميعا في بناء حضارة بتسامح وتركيز على الأهداف العليا للمشروع الحضاري المشترك بدل النزول إلى مستنقعات الاختلاف الديني والعرقي التي تعد أسوأ وأبرز مظاهر التخلف. مازالت أذكر منذ طفولتي الصغيرة يهودا يملكون متاجر للصناعة التقليدية وسط المدينة القديمة، ومازالت تتردد على مسمعي أصوات الباعة المتجولين أو الذين كانوا يشترون «البالي» وهم يصيحون بين الأزقة العتيقة، مخاطبين ربات البيوت الراغبات في الاستغناء عن ملابس أو أحذية أو أثاث منزلي قديم: «اشكون عندها بالي للبيع». وفي الملاح، طبعا، كانوا يملكون متاجر الذهب والمجوهرات إلى جانب حيهم القريب من القصر الملكي، في حين كانوا يملكون العديد من المطاعم والحانات في المدينةالجديدة. ومازالت المطاعم المفضلة لدي في المغرب، سواء في الرباط أو طنجة أو غيرهما، مطاعم يملكها يهود مغاربة تنسيك لذة الأطباق المغربية الشهية فيها أن هناك اختلافا أصلا في الدين أو في غيره. كثيرا ما قادتني أيضا أسفاري داخل الولاياتالمتحدة أو في كندا أو أوربا، تارة بالصدفة وأخرى بدونها، إلى مطاعم مغربية يملكها مغاربة يهود مهاجرون، وبمجرد ما يعرفون أنني مغربي يعبرون جميعا، وبدون استثناء، عن فرحة وترحاب كبيرين بل لا يترددون أحيانا في رفض المقابل أو يتبرعون بطبق أو مشروب، تماما كما يفعل باقي المهاجرين المغاربة حينما تجمعهم الصدف في مكان بعيد عن الوطن. ولهذا كانت مفاهيم التعدد والتسامح، من جهة، أو معاداة السامية، من جهة أخرى، مفاهيم غريبة عن تجربتنا الحضارية في المغرب، خاصة بين المسلمين واليهود، لم تتوافر حتى في معظم دول الشرق الأوسط بين المسلمين والمسيحيين في معظم الأحوال رغم جوانب الاختلاف أو ربما بسبب اختلاف التجربتين. خروج مسلمي ويهود الأندلس هروبا من تطرف الكنيسة الكاثوليكية بعد سقوط الأندلس نهائيا، وفي ذروة محاكم التفتيش، ربما ساهم في تعزيز تلك الروابط على الرغم من أن الوجود اليهودي في المغرب سابق تاريخيا على تلك الفترة المظلمة. كل هذه المشاهد والأفكار والذكريات الشخصية كانت تخالجني -وسيتأكد معظمها على أرض الواقع- وأنا في طريقي للبحث عن يهود المغرب في القدس.