غير بعيد عن ساحل السعيدية (أقل من 40 كلم) وعلى بعد 25 كلم من مدينة بركان و55 كلم من مدينة وجدة، توجد بلدة تافوغالت الجبلية الواقعة تحت نفوذ إقليمبركان، في قلب جبال بني زناسن، وتتميز بغاباتها الكثيفة وجبالها الشاهقة ووادي زكزل الذي توجد به مغارة الجمل، التي تعتبر موقعا تاريخيا وأركيولوجيا فريدا من نوعه في المغرب العربي، بالإضافة إلى مغارة الحمام التي تؤرخ للإنسان القديم حيث وجدت أقدم قطع حلي في التاريخ على وجه الإطلاق. لكن رغم مؤهلات المنطقة ورغم ما يقرأ في الكتب التاريخية ورغم ما يرسم في الدلائل السياحية يبقى الواقع بعيدا عن الصورة. وما زالت تافوغالت اليوم تحتفظ بثرواتها الطبيعية التي تؤهلها لأن تكون مركزا سياحيا يغري العديد من الزوار، كما أنها اليوم تشكل إحدى الوصفات الطبية التي ينصح بها بعض الأطباء المختصين في أمراض الجهاز التنفسي مرضاهم الذين يعانون من الأمراض الصدرية المزمنة، كالربو أو أمراض الحساسية المتعلقة بالرطوبة. تستقطب المنطقة العديد من الزوار يوميا وطوال السنة، سواء من أجل اكتشاف المواقع الأثرية أو دراستها من طرف علماء وأساتذة باحثين وطلبة جامعيين أو للاستجمام والراحة من مختلف المدارس والمؤسسات التعليمية والمخيمات الصيفية والشتوية. كما أن عددا من السياح لا يمكن له أن لا يعرج على بلدة تافوغالت الجبلية الجميلة وهو في طريقه إلى مدينة السعيدية الشاطئية. ومن هؤلاء الزوار والسياح من يفضل الإقامة لأيام بإحدى دور الإيواء الخاصة التي صممت بهندسة معمارية محلية مزينة بالصخور الجبلية على شكل مغارات وكهوف، مما يجعل الزائر المقيم يعيش في حلم بين واقع الإنسان الحاضر وواقع الإنسان الحجري القديم. وتستقبل البلدة ما يفوق 150 ألف زائر وسائح سنويا خصوصا خلال نهاية الأسبوع، حيث يقضي بعضهم يومه أو عطلته بين غابات العرعار و«الكوريش» والصنوبر وأشجار البلوط، والمياه العذبة الباردة النابعة من صخور سلسة جبال بني يزناسن ولطافة الجو والمناخ وسكون المكان، كما لا يمكن للزائر إلا أن يترك غرفته المكيفة وأثاثها الوثير ليصعد الجبل ليتعرف على «مأوى» أجداده بمغارة الحمام أو مغارة الجمل. ومن الزوار والسياح من يزاوج بين شاطئ مدينة السعيدية وجبال تافوغالت في اليوم الواحد ويستمتع بمنتجعين مختلفين تماما، إن لم نقل متناقضين، حيث لا يفصل بين المكانين إلا حوالي 40 كيلومترا، فنجد المنطقة توفر السياحة الشاطئية والسياحة الجبلية، ويشبه مناخها إلى حدّ بعيد مناخ مدينة إفران حيث فصل الشتاء يكون قارسا والصيف معتدلا، كما تعرف بعض الفصول الباردة تهاطل أمطار كثيرة وثلوج تجعل مسالك البلدة صعبة العبور. وهذه السياحة الجبلية تلعب دورا طلائعيا في هذه الجهة التي يعول عليها كثيرا في البرامج المستقبلية الخاصة بتنمية السياحة. والملاحظ أنها لا تحظى بالاهتمام والعناية الكافيين، حيث إنها تعاني من الإهمال وغياب التجهيزات والمرافق الضرورية التي تمكن السائح من الإقامة، وتنعش المنطقة التي لها من الإمكانات والمؤهلات ما يؤهلها لخلق مناصب شغل وامتصاص بطالة الشباب وفقر السكان وقفر المكان بنزوح القرويين إلى المدن. وتعتبر تافوغالت أفقر جماعة بإقليمبركان حيث تجاوزت نسبة الفقر بها أكثر من %40 وتفوق نسبة الهشاشة %50. ويمثل شباب جماعة تافوغالت نسبة تفوق %60 من الساكنة، يعاني أغلبهم من البطالة والعطالة ومنهم عدد كبير من حملة الشهادات، منهم من نجح في عبور البحر ومن تبقى تعاطى لبعض الأنشطة كبيع السجائر بالتقسيط أو تقديم خدمات موسمية للزائرين بالمطاعم. بالإضافة إلى كل هذا، تعاني المنطقة من العزلة حيث لا تصلها الجرائد ولا الأنشطة الثقافية، اللهم ما تقوم به بعض الجمعيات خلال موسم الصيف. مغارة الحمام بتافوغالت تقع هذه المغارة بالمغرب الشرقي، على بعد حوالي 55 كلم شمال غرب وجدة. انطلقت الحفريات الأثرية بهذا الموقع منذ سنة 1951 من طرف مجموعة من الباحثين الأجانب وذلك بتعاون مع المغرب، وقد أسفرت عن مجموعة من النتائج المهمة وأثبتت تعاقب مجموعة من الحضارات على الموقع وذلك منذ العصر الحجري القديم الأوسط. وتبقى أهم حضارة يعرف بها موقع تافوغالت هي الحضارة «الآيبروموريزية» والتي أثبتت نتائج التأريخ تواجدها بالموقع بين 21900 و10800 قبل الفترة الحالية. يتميز هذا الموقع بأهمية اللقى الأثرية والمتمثلة في مجموعة من الهياكل العظمية والأدوات الحجرية والعظمية وكذلك الحلي وبقايا عظام الحيوانات... وقد اكتشف فريق من الباحثين مجموعة جديدة من الحلي تعتبر الأقدم في العالم بعد المجموعة الأولى عاما قبل ذلك، بمغارة الحمام بتافوغالت. ويتعلق الأمر باكتشاف حوالي عشرين من الصدفيات البحرية التي استعملها الإنسان القديم كحلي، في إطار الأبحاث الأثرية التي يقوم بها المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، بالتعاون مع معهد الآثار بجامعة أكسفورد البريطانية، وذلك خلال الفترة الممتدة من 24 مارس إلى 24 أبريل 2008 داخل مستويات أركيولوجية يتراوح عمرها ما بين 84 و85 ألف سنة. وضعية البيئة في حاجة إلى الاهتمام إن الزائر لمنطقة تافوغالت، سواء كان مغربيا أو أجنبيا، يتأسف ويتحسر لما يعانيه المجال البيئي الغني والمتنوع بأشجاره وطيوره وحيواناته، ولا يسعه إلا أن يستنكر ما تتعرض له غابتها المعروفة ب«تازمورت» التي تبعد عن المركز بحوالي 1 كيلومتر ونصف، من اغتصاب وتدمير، والتي تعد أكبر كنز وأفضل مورد مستقبلي لسكان هذه الجهة. لقد تم الإجهاز على العديد من أشجارها من نوع العرعار وغزتها الأكياس البلاستيكية والأوساخ وتحولت إلى فضاء مقزز أشبه بالمطارح العمومية للأزبال والنفايات أمام مرأى ومسمع المسؤولين بالجماعة. إن المحيط البيئي لتافوغالت يتدهور يوما بعد يوم ويهدد التلوث المياه الجوفية، بل يشكل خطرا كبيرا على العين التي تغذي مركز المنتجع السياحي بحيث تجرف الأمطار النفايات والأزبال إلى وسط الجماعة.