صدر للدكتور محمد مشبال، عن منشورات بلاغات، كتاب جديد بعنوان «الهوى المصري في المخيلة المغربية»- قراءات في السرد المغربي الحديث، يتناول الكتاب تأثير الثقافة المصرية في وجدان الإنسان المغربي، كما جسدته مخيلة ثلاثة كتاب مغاربة. وتبرز الأعمال السردية الثلاثة التي حللها الباحث «القاهرة تبوح بأسرارها» لعبد الكريم غلاب و«مثل صيف لن يتكرر» لمحمد برادة و«المصري» لمحمد أنقار مدى الارتباط الوثيق بين المغرب ومصر ومدى تأثير الثقافة المصرية في الثقافة المغربية. كما تظهر ذلك الحلم المشرقي الذي كان معظم المغاربة يتوقون إلى تحقيقه؛ وهكذا تشكل الهوى المصري في وجدانهم؛ فحقق بعضهم هذا الحلم عن طريق السفر الفعلي إلى مصر والمعاينة الحقيقية لفضاءات القاهرة ولم يتحقق لآخرين هذا السفر الفعلي، بل كان سفرا ذهنيا بواسطة التخييل. كما مثلت الثقافة المصرية لهم مأوى يلوذون به في تحقيق ذواتهم ومصدرا يستلهمون نماذجه ويحاكونها. إن موضوع هذا الكتاب هو التواصل الثقافي على نحو ما صاغه التخييل الأدبي؛ التأثير ليس باعتباره حقيقة تاريخية وواقعة موضوعية ولكن باعتباره خطابا تخييليا أو صورا سردية. من هنا كان على الباحث أن يواجه موضوعه مستخدما أدوات مستمدة من البلاغة والنقد الروائيين ما دامت الساحة التي يواجه فيها هذا الموضوع هي ساحة التخييل والأدب؛ أي النظر إلى الهوى المصري باعتباره مكونا تخييليا. يستخدم الباحث مفاهيم البلاغة بمدلولها التخييلي كما استخدم مفاهيم تأويلية مستعارة من نقد الجنس الروائي ونظرياته، كمفهوم «الرغبة المثلثية» التي تميز البطل الروائي عند روني جيرار، ومفهوم «الرواية العصابية» الأسرية التي تشكل الأصل النفسي لكل رواية حديثة كما صاغته مارت روبرت، ومفهوم «الهوية المنفتحة والمتعددة» التي تسم الجنس الروائي باعتباره يقوم على التفاعل اللغوي والثقافي، كما صاغها إدوارد سعيد في كتابه الثقافة والإمبريالية». يتميز الخطاب النقدي في هذا الكتاب بابتعاده عن النقد النظري أو عن نزعة الإلحاح على المنهج والمفهومات النظرية التي عادة ما يحرص الدارسون على استعراضها باعتبارها آليات يتبنونها في مقارباتهم النصية، بحيث تتحول النصوص إلى مجرد شواهد على مصداقية تلك الآليات. إننا هنا لا نواجه منهجا صريحا أو معلنا يدافع عنه صاحب الكتاب بقدر ما نواجه الأعمال الأدبية نفسها، إذ يعمل الباحث على تحليل خطابها التخييلي متوخيا الكشف عن طبيعة حضور تأثير الثقافة المصرية في وجدان الشخصيات السردية ودلالات ذلك الحضور. وكأن الباحث غبر معني بالأدوات المنهجية بقدر عنايته بالتوغل في العوالم التخييلية لتلك النصوص وسبر طاقاتها البلاغية في تصوير موضوع تاريخي وثقافي واجتماعي. ولا شك أن عنوان الكتاب: «الهوى المصري في المخيلة المغربية» بقدر ما يوحي لقارئه بالابتعاد عن العناوين النظرية والمنهجية الصريحة، يتكشف عند القراءة والتأمل عن منهج وتصور نقدي وأدوات تحليلية. وهذا يدل في واقع الأمر على سمت مطلوب في الكتابة النقدية العربية، ذلك السمت الذي ينادي بأن يكون النقد إبداعا فكريا كما أوضح الباحث في كتاباته النقدية السابقة. إن الخطاب النقدي في هذا الكتاب لا يقتصر على الأهداف التقليدية للتحليل الأدبي المتمثلة في إبراز أدبية الأعمال السردية وإنما حرص من خلال هذا التحليل على إبراز»قضية» ثقافية وتاريخية ؛ أي إبراز»الهوى المصري» باعتباره عنصرا من عناصر تكوين الشخصية المغربية الحديثة.