تعيش جل أحياء مدينة مكناس، منذ دخول شهر رمضان الكريم، محنة حقيقية مع المياه الصالحة للشرب في ظل الانقطاعات المتكررة لهذه المادة بسبب أعطاب مزمنة يعرفها القطاع منذ سنوات. ولا تشتغل صنابير مياه جل المنازل والمحلات التجارية والسياحية والمقاهي إلا مع اقتراب آذان صلاة المغرب، قبل أن يعود «مسلسل» الانقطاع من جديد. ويدفع هذا الوضع ساكنة المدينة، التي تقدر بحوالي 750 ألف نسمة، إلى الاستعانة بالأوعية والقنينات لتخزين ما تجود به الصنابير من قطرات لا تستعمل عادة للشرب بسبب تلوثها وتغير لونها. ويضطر البعض حفاظا على صحته إلى الاستعانة بقنينات المياه المعدنية للشرب، وهو ما يكلف العائلات ميزانيات باهضة، فيما تفرض الأوضاع الاجتماعية الهشة على أغلب الأسر شرب مياه الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بمكناس، التي تتنافس، في كل لحظة انفراج، لتخزينها. وتستهلك مكناس، طبقا لإحصائيات رسمية، حوالي 37 مليون متر مكعب من المياه في السنة. وبالرغم من «الأزمة البنيوية» التي يعيشها قطاع الماء الصالح للشرب بالمدينة في السنوات الأخيرة، فإن السلطات لم تحل بعد هذا المشكل الذي يطرح بحدة أثناء كل تساقطات مطرية تعرفها المنطقة. وتختلط المياه بالأتربة في كل من «عين بطيط» و«عين ربيعة» بضواحي المدينة، مما يجعلها غير قابلة للتوزيع. ويصل صبيب هاتين «العينين» إلى حوالي 1000 لتر في الثانية، في حين أن حاجيات الساكنة من المياه تصل إلى حوالي 1600 لتر في الثانية، مما يعني أن «العينين» لا يمكنهما أن تلبيا سوى نصف احتياجات ساكنة المدينة من الماء الصالح للشرب. وإلى جانب هذا العجز المهول في هذه المادة، فإن مدينة مكناس لا تتوفر على أي محطة لمعالجة مياه عيونها التي تتعرض للتلوث بسبب التساقطات المطرية. ونقل عن مدير الوكالة المستقلة للماء والكهرباء بمكناس، في تصريحات صحفية سابقة، بأنه من المرجح أن يستمر الوضع على ما هو عليه سنوات أخرى، مع تخوف من حدوث نقص في الصبيب يقابله ارتفاع في حاجيات الساكنة من المادة. ويراهن المكتب الوطني للماء والكهرباء على جلب المياه الصالحة للشرب من منطقة «راس الماء» بضواحي فاس لتغطية احتياجات الساكنة في الفترة ما بين 2014 و2016، لكن إجراءات البدء في تفعيل هذا المشروع لم تنطلق بعد. وينتظر طبقا لدراسة أنجزها هذا المكتب إحداث محطة لمعالجة مياه عيني «بطيط» و«ربيعة» بكلفة مالية تقدر ب130 مليون درهم، على أن تشغل هذه المحطة لمدة شهر ونصف في السنة فقط لمعالجة المياه أثناء تعرضها للتلوث. لكن هذا المشروع ينتظر التمويلات اللازمة في ظل تخلي كل الأطراف عن تحمل مسؤولياتها لمعالجة هذا الوضع، في انتظار مشروع يوصف بالضخم لجلب المياه من سد إدريس الأول، والذي يراهن عليه لتلبية حاجيات كل من فاسومكناس إلى حدود 2030، وهو المشروع الذي سيكلف إنجازه حوالي مليار ونصف المليار درهم.